على الرغم من ترحيب السلطة الفلسطينية بجهود الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب التي وصفتها بـ”الصادقة والحثيثة” لإنهاء الحرب على غزّة، تُراكم امتعاضاً ممّا جاء في خطّته المعلنة وترفض الكثير من البنود، لكن بصمت.
تكتم السلطة الفلسطينيّة رفضها للكثير ممّا جاء في خطّة ترامب، تجنّباً لإصدار موقف حاسم من خطّة حظيت بترحيب عربيّ، الأمر الذي قد يُخرجها من أيّ دور لها في المستقبل. لا تريد أن تغرّد خارج سرب ثماني دول عربيّة وإسلاميّة رحّبت في بيان مشترك بالخطّة، وهو ما يفسّر التطابق الكبير بين ما جاء في بيان السلطة وبيان الدول العربيّة والإسلاميّة.
أشار حرب إلى أنّ بيان السلطة الترحيبيّ شدّد في جزء منه على ضرورة احترام خيار حلّ الدولتين والعودة إليه، ووضع مسار واضح لإقامته وتحقيقه
التّماهي مع “الثّماني”
إذا ما وضعنا بيان السلطة على طاولة التشريح السياسي يمكن قراءة الموقف غير المعلن على الشكل التالي:
- لم ترحّب السلطة الفلسطينيّة بالخطّة الأميركيّة وبنودها، إذ لم يرد ذكرها في البيان ولو لمرّة واحدة، بل جاء الترحيب بالجهود المبذولة من قبل ترامب.
- أصدرت السلطة الفلسطينيّة بيانها بعد دقائق فقط من بيان “الثماني”، الذي حمل الصياغة نفسها، أي الترحيب بالجهود المبذولة من دون إشارة إلى الخطّة وبنودها، التي يُقال إنّه جرى تغييرها من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
- حاولت السلطة الفلسطينيّة إبراز موقفها السياسي الذي ترى أنّه طريق للحلّ في البيان، ورؤيتها للاتّفاق الذي يجب أن يتمّ متضمّناً نقاطاً لم يرد ذكرها نهائيّاً في خطّة ترامب، ومنها استعدادها للعمل المشترك مع واشنطن للوصول إلى اتّفاق شامل يقود إلى انسحاب إسرائيليّ كامل، وتوحيد الأرض والمؤسّسات، في قطاع غزة والضفّة الغربية بما فيها القدس الشرقيّة، وإنهاء الاحتلال وفتح الطريق أمام سلام عادل على أساس حلّ الدولتين.
- تدرك السلطة أنّ خطّة ترامب تجاهلتها بالكامل وأسقطت أيّ دور لها في إدارة قطاع غزّة، وأسقطت تقديم أيّ تعهّد يمنع إسرائيل من ضمّ الضفّة الغربية. بل إنّ نتنياهو أكّد في مؤتمره الصحافيّ مع ترامب أنّه لن يكون للسلطة الفلسطينيّة أيّ دور في قطاع غزّة من دون تغيير جذريّ. وهذا “التغيير الجذريّ” الذي تحدّث عنه نتنياهو بمنزلة حقل ألغام لن تخرج منه السلطة الفلسطينيّة أبداً، ولن يتحقّق في نظر إسرائيل التي ستبقى تقول إنّه غير كاف.
- قرأت السلطة جيّداً في خطّة ترامب إعلان نهايتها بالكامل، بعدما استثنت أيّ دور لها في غزّة، وأسندت إدارتها لجهة دولية، وهو ما ترى فيه السلطة تقويضاً سياسيّاً لها، وربّما يكون عقاباً على سلسلة اعترافات دول العالم بدولة فلسطين، خاصّة أنّ الخطّة لم تتضمّن أيّ جدول زمنيّ أو ضمانات لعودة السلطة إلى إدارة غزّة.
على الرغم من صدور بيان باسم حركة فتح يتماهى مع موقف السلطة، إلّا أنّ ذلك لا يعني الرضى على ما جاء في الخطّة
لماذا التّكتّم؟
تحتفظ السلطة بامتعاضها وخيبة أملها من خطّة ترامب بالسرّ أو في قنوات السياسة والتواصل مع الدول العربيّة، لكنّها لا تريد في المرحلة الحاليّة إصدار مواقف حادّة وصريحة تجاهها للأسباب التالية:
- حتّى لا تصطدم مع الدول العربيّة والإسلامية التي كانت شريكة في المباحثات والحوارات.
- تريد تجنّب العزلة والقطيعة مع الدول العربية والإسلاميّة، خاصّة بعد التطوّرات السياسيّة الأخيرة على مستوى اعترافات دول العالم بها والجهود المبذولة لإنقاذها ماليّاً.
- تعتقد السلطة أنّ هناك إمكاناً لإحداث تعديلات وتغييرات على خطّة ترامب من خلال الضغوطات العربيّة على الإدارة الأميركيّة، بما يضمن دوراً لها.
- لا تريد إصدار مواقف سياسيّة حادّة خارج إطار مواقف الدول العربية، قد تجد نفسها مضطرّة لاحقاً إلى التراجع عنها على غرار مواقفها وعلاقاتها مع الدول العربية التي أبرمت اتّفاقات أبراهام.
تحاول السلطة الفلسطينية ضبط موقفها وتكريسه، وعدم السماح بتمييعه، وهو ما اضطرّها إلى إصدار بيان صحافيّ نشرته الوكالة الرسميّة تبرّأت فيه من تصريحات عبّاس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح (أعلى هيئة قياديّة في الحركة) لوسائل إعلام محليّة وعربيّة، التي هاجم فيها خطّة ترامب واعتبرها “وثيقة استسلام” و”مخيّبة للآمال”، وهدفها تبرئة بنيامين نتنياهو من جرائمه، منتقداً مواقف بعض الدول العربية والإسلامية، وقالت فيه إنّ “تصريحات عبّاس زكي مرفوضة ولا تمثّل أحداً ولا تعبّر عن الموقف الرسمي الفلسطيني”.
على الرغم من صدور بيان باسم حركة فتح يتماهى مع موقف السلطة، إلّا أنّ ذلك لا يعني الرضى على ما جاء في الخطّة. إذ قال نائب رئيس حركة “فتح” وعضو لجنتها المركزيّة محمود العالول في تغريدة على حسابه على “فيسبوك”، إنّ الخطّة المطروحة ملتبسة يلفّها الغموض، مضيفاً: “سنحاول أن نأخذ منها ما يوقف الحرب والمذبحة ويحرّر الأسرى ويدرأ أفكار الرحيل والضمّ”.
قال أيضاً: “نرفض كلّ الإملاءات والوصاية مؤكّدين وحدة الأرض الفلسطينيّة وضرورة الاستمرار حتّى زوال الاحتلال عنها. ما نطلبه له علاقة بالاستقلال والحرّية التي لا غنى لأحد عنها”.
إقرأ أيضاً: ملفّ “قسد” عالق… والشّرع إلى تركيا
خيبة أمل
صرّح مدير مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي جهاد حرب لـ”أساس ميديا” قائلاً إنّ السلطة الفلسطينية خاب أملها ممّا جاء في خطّة ترامب، لأنّها استثنتها من لعب أيّ دور في القطاع، وقلّلت من ناحية أخرى المكاسب السياسية التي حقّقتها على مدار السنوات الماضية، خاصّة اعتراف عشرات الدول في العالم بدولة فلسطين.
أضاف حرب: “بدا ترامب أنّه يريد العودة لمنح إسرائيل حقّ الفيتو على إقامة الدولة الفلسطينيّة، ليس من خلال المفاوضات، بل بإخضاع السلطة لامتحان الجدارة، من خلال تنفيذها برنامج الإصلاح الذي تعهّدت به، على أن تقرّر إسرائيل والولايات المتّحدة لاحقاً مدى حقيقة وجدّية الإصلاحات التي نُفّذت، ومدى تطابقها مع المفهوم الإسرائيليّ”.
أشار حرب إلى أنّ بيان السلطة الترحيبيّ شدّد في جزء منه على ضرورة احترام خيار حلّ الدولتين والعودة إليه، ووضع مسار واضح لإقامته وتحقيقه.
