ملفّ “قسد” عالق… والشّرع إلى تركيا

مدة القراءة 5 د

بعد تأكيد الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان، خلال افتتاح الدورة التشريعيّة للبرلمان التركيّ في أنقرة الأربعاء، أنّ بلاده تنتظر دمج قوّات “قسد” مع دمشق عبر السبل الدبلوماسيّة، وأنّها لن تسمح بتفتيت سوريا، بات السؤال: ما حقيقة موقف أنقرة من ملفّ “قسد”؟ ما هي الصورة الفعليّة؟

 

أكّدت مصادر دبلوماسيّة في واشنطن لـ”أساس” أنّ إردوغان، خلال لقائه الأخير مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، لم يتمكّن هو والوفد المرافق له من الحصول على ضوء أخضر لشنّ عمليّة عسكريّة ضدّ “قوات سوريا الديمقراطيّة”، لأنّ ذلك يتعارض مع مسار السلام والمفاوضات الجارية بين أنقرة وزعيم حزب العمّال الكردستاني عبدالله أوجلان.

لغة الشّدّ والجذب

في المقابل، وجّه إردوغان رسائل تحذيريّة واضحة، مؤكّداً أنّ بلاده لن تسمح بتفتيت سوريا أو المساس بوحدة أراضيها، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية لتنفيذ اتّفاق الدمج بين “قسد” ودمشق. تجلّت لغة الشدّ والجذب أيضاً في تصريحات المتحدّث باسم وزارة الدفاع التركيّة، زكي أكتورك، الذي اتّهم “قسد” بعدم التزامها التفاهمات المبرمة مع دمشق.

بدوره طرح الإعلام التركيّ سيناريوهات عدّة للتعامل مع ملفّ “قسد”، أبرزها:

– خيار الحسم العسكري المشترك بين أنقرة ودمشق على الأراضي السوريّة، وهو احتمال مستبعّد حاليّاً لغياب الضوء الأخضر الأميركي.

– الخيار الأرجح: إنشاء عمق جغرافيّ يقدّر بثلاثين كيلومتراً داخل سوريا يكون تحت إدارة تركيّة أو تُنشر فيه قوّات سوريّة.

في السياق نفسه، نقلت مصادر تركيّة لـ”أساس” أنّ “قسد” تقوم باستفزازات واستهدافات متواصلة لنقاط عسكريّة ومدنيّة قرب الحدود التركيّة، مؤكّدة أنّ أنقرة تسعى إلى قطع الطريق على مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يمتدّ عبر ما يُعرف بـ”ممرّ داوود”، والذي تعتبر تركيا أنّ “قسد” تلعب دوراً رئيساً فيه. وتشير المعلومات إلى أنّ هذا الضغط الإعلاميّ المكثّف على “قسد” هدفه التمهيد لتنفيذ اتّفاق 10 آذار.

علم “أساس” أنّ تركيا ستشهد خلال الأيّام المقبلة زيارة للرئيس السوريّ أحمد الشرع ووزير خارجيّته لمناقشة ملفّات عدّة، من بينها ملفّ “قسد”

الشّرع إلى تركيا؟

علم “أساس” أنّ تركيا ستشهد خلال الأيّام المقبلة زيارة للرئيس السوريّ أحمد الشرع ووزير خارجيّته لمناقشة ملفّات عدّة، من بينها ملفّ “قسد”.

إلى ذلك، كشفت مصادر خاصّة أنّ السفير الأميركي في تركيا، توم بارّاك، أجرى تعديلات داخل فريق عمله في إسطنبول، (حيث) فاستبدل ثلاثة أشخاص كانوا مسؤولين عن التواصل المباشر في ملفّ “قسد”، ووُصفت علاقتهم معها بأنّها very friendly. ولم تُعرف بعد أسباب هذه التغييرات، على الرغم من أنّ الخارجية الأميركية تُظهر موقفاً أقلّ دعماً لـ”قسد” مقارنة بالكونغرس والبنتاغون.

الشرع

في المقابل، تؤكّد مصادر دبلوماسية لـ”أساس” أنّ واشنطن لن تتخلّى عن “قسد”، وستبقي وجودها العسكريّ في سوريا، خصوصاً في قاعدة التنف، حتّى إشعار آخر. ورفعت وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) موازنة عام 2026 إلى الكونغرس، متضمّنة تخصيص 130 مليون دولار لدعم “قسد” و”جيش سوريا الحرّة” ضمن برنامج مكافحة تنظيم “داعش”.

أمّا بشأن ما نُقل عن قائد القيادة المركزية الأميركية، الأدميرال تشارلز برادلي كوبر، عن رسالة من قائد “قسد” مظلوم عبدي إلى الرئيس السوريّ أحمد الشرع، تتحدّث عن دمج “قسد” في الجيش الجديد ككتلة متكاملة، فقد نفت شخصيّة رفيعة في “قسد” لـ”أساس” هذا الخبر جملةً وتفصيلا، وأكّدت أنّ عبدي على تواصل مباشر مع الرئيس الشرع، مشيرة إلى أنّ لقاءً مهمّاً عُقد أخيراً بين وفد من مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، نقل فيه الوفد رسالة من قيادة “قسد” تدعو فيها بريطانيا إلى لعب دور قياديّ في إعادة إعمار سوريا وفي دفع الحوار الداخليّ.

تؤكّد مصادر دبلوماسية لـ”أساس” أنّ واشنطن لن تتخلّى عن “قسد”، وستبقي وجودها العسكريّ في سوريا

لا تراجع عن المطالب

أوضحت المصادر نفسها أنّ “قسد” تسعى إلى الانضمام إلى الجيش السوري كهيكلية قائمة بذاتها، أسوة بالجيش الوطني الموالي لتركيا، مقابل اعتراف الدولة بالهويّة الكرديّة، والإقرار الدستوريّ بالشعب الكردي، وتبنّي صيغة اللامركزية على مستوى سوريا بأكملها. وأكّدت أنّ هذه المطالب غير قابلة للتراجع، وأيّ حوار مستقبليّ لن يحقّق نتيجة من دونها.

أمّا الضغوط الأخيرة التي مارسها إردوغان على “قسد”، فيراها المصدر محاولة لتقليص المطالب الكرديّة داخل تركيا، والضغط على عبدالله أوجلان الذي كان قد دعا العشائر العربية إلى دعم “قسد” في شمال وشرق سوريا، وهو ما اعتبره مراقبون تراجعاً عن دعوته السابقة إلى حلّ حزب العمّال الكردستاني (PKK) وإلقاء السلاح. يبدو أنّ الحزب، بدوره، يستبعد أيّ خيار عسكري في المرحلة الحاليّة، ويميل إلى البحث عن تسوية سياسية شاملة للقضيّة.

إقرأ أيضاً: “آليّة الزّناد” تهدّد طهران بالفصل السّابع

يبقى ملفّ قوّات سوريا الديمقراطية (قسد) موضع تجاذب بين أنقرة وواشنطن ودمشق، في ظلّ تباين المواقف حول مستقبلها ودورها في سوريا. مع استمرار الحوارات والضغوط المتبادلة، لم تُحسم بعد خيارات الأطراف كافّة، وهو ما يجعل مصير هذا الملفّ مفتوحاً على احتمالات عدّة بانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات المقبلة.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@LaraMounif

مواضيع ذات صلة

لبنان يطمر رأسه في الرمال

في الوقت نفسه، حصلت زيارتان دوليتان: الأولى للرئيس السوري أحمد الشّرع الذي اتّخذ مساراً لبلاده أوصله إلى لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والثانية للرئيس اللبناني…

هل يَطرح “الثّنائيّ الشّيعيّ” الثّقة بحكومة نوّاف سلام؟

مُجدّداً، رُميت الكرة في ملعب الرئيس نبيه برّي في ما يخصّ التعديلات على قانون الانتخاب. تسوية أو مواجهة قاسية تهدّد بتطيير الانتخابات؟ وفق معلومات تسرّبت…

اجتماع “الميكانيزم” الـ13: خرائط مخازن السلاح المخفيّة

تعقد لجنة “الميكانيزم” اجتماعها الثالث عشر اليوم الأربعاء في الناقورة، من دون حضور المستشارة مورغان أورتاغوس، وسط تصعيد إسرائيليّ ملحوظ وخطير في وتيرة الاعتداءات والاغتيالات وتفجير…

المواجهة الإيرانيّة – الإسرائيليّة الثّانية… على الأبواب؟

لا يُمكن فصل ما يجري على السّاحتَيْن العراقيّة واللبنانيّة وانكفاء الحوثيّين، عمّا يُحضَّرُ في الكواليس بشأن إيران. لا يمكن فهم تصلّبِ موقف “الحزبِ” في لبنان…