“آليّة الزّناد” تهدّد طهران بالفصل السّابع

مدة القراءة 6 د

عشيّة استئناف المحادثات النووية الثلاثاء، تجد إيران نفسها أمام ضغوط أوروبية متصاعدة وخيارين أحلاهما مرّ: العودة إلى التفاوض أو مواجهة عقوبات أمميّة قاسية.

 

قبل حلول نهاية آب، الموعد المحدّد لانتهاء العمل بالاتّفاق النووي المبرم عام 2015، وتحت تهديد تفعيل “آليّة الزناد” والعودة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة، وجدت دول الترويكا الأوروبية (المملكة المتّحدة، فرنسا وألمانيا) فرصة للضغط على إيران ودفعها إلى مواصلة المحادثات النووية، بعد اتّصال هاتفي جرى بين وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي وعدد من كبار الدبلوماسيين الأوروبيّين، جرى خلاله الاتّفاق على عقد جولة مفاوضات جديدة غداً الثلاثاء.

تأتي هذه المحادثات بعد مرور عشر سنوات كاملة على توقيع الاتّفاق النووي في 14 تمّوز 2015، الذي وُصف حينها بالإنجاز الدبلوماسي الأهمّ في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. غير أنّ هذا الاتّفاق واجه لاحقاً ضربة قاسية بانسحاب الولايات المتّحدة منه عام 2018، وما تبعه من تبادل اتّهامات بين الأطراف المعنيّة بشأن خرق الالتزامات.

على خلفيّة حرب استمرّت 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، علّقت طهران مفاوضاتها النووية مع واشنطن وأوقفت تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، متّهمة الأخيرة بالانحياز عبر إصدار تقرير اعتبرت فيه أنّ إيران لم تفِ بالتزاماتها النوويّة. ووجّهت إيران اتّهامات للوكالة بمشاركة معلومات حسّاسة مع إسرائيل وتبنّي روايتها، على الرغم من أنّ طهران طرف موقِّع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، في حين أنّ إسرائيل ليست طرفاً فيها.

بعد نحو شهرين من انتهاء الحرب، اضطرّت إيران إلى العودة إلى طاولة النقاش تحت ضغط مباشر من فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة، التي هدّدت بتفعيل آليّة الزناد وإعادة فرض العقوبات الأمميّة إذا لم تستأنف طهران المفاوضات في برنامجها النوويّ.

يرى مصدر غربي أنّ طهران ستواصل العمل دبلوماسيّاً لعرقلة تفعيل آليّة الزناد، وستبذل ما في وسعها للبقاء ضمن الاتّفاق

ما هي “آليّة الزّناد”؟

تُعدّ آليّة الزناد Snapback بنداً أساسيّاً في اتّفاق 2015 يتيح لأيّ طرف موقِّع إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران في حال اعتبر أنّها تخلّ بالتزاماتها، من دون إمكان اعتراض روسيا أو الصين باستخدام حقّ النقض (الفيتو). وعند تفعيلها، تُعاد العقوبات تلقائيّاً خلال فترة قصيرة، وتشمل قيوداً على التجارة وتجميد الأصول ومنع تزويد إيران بالتكنولوجيا الحسّاسة.

طهران

تنتهي صلاحيّة آليّة إعادة فرض العقوبات في الاتّفاق النووي في تشرين الأوّل 2025، وهو ما يضع ضغوطاً كبيرة على الأوروبيّين لاستغلالها كأداة ضغط على إيران قبل فقدان هذه الإمكانيّة. وفق هذه الآليّة، يمكن لأيّ طرف في الاتّفاق اعتبار إيران غير ملتزمة التزاماتها وإعادة فرض العقوبات الأمميّة تلقائيّاً. بعد انتهاء صلاحيّة الآليّة، تصبح أيّ محاولة مستقبلية لفرض عقوبات جديدة على إيران خاضعة لمجلس الأمن، حيث يمكن للصين وروسيا استخدام حقّ النقض (الفيتو)، وعلى الرغم من أنّهما دعمتا إيران سابقاً، بقيتا بعيدتين عن الصراع الذي نشب بين إيران وإسرائيل في حزيران 2025.

تدرك إيران تماماً خطورة هذه الآليّة، وما يترتّب على العودة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة، الأمر الذي يدفعها إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لتفادي هذا المسار، ومحاولة البقاء ضمن أطر الاتّفاق النووي وقرارات مجلس الأمن.

السّيناريوهات المقبلة

كشف مصدر إيراني سياسي لـ”أساس” أنّ الأوروبيّين طرحوا مقترحاً بتمديد فترة “آليّة الزناد” من ثلاثة إلى ستّة أشهر، وهو مقترح قيد الدراسة في طهران على الرغم من أنّ احتمالات القبول به ضئيلة. يرى المصدر أنّ هذا الخيار، مع كونه مقلقاً لإيران، قد يحمل أيضاً تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة وأمنها.

يضيف المصدر أنّ الفارق بين العقوبات الأميركية وتلك الصادرة عن الأمم المتّحدة كبير جدّاً، إذ إنّ الأخيرة أكثر شمولاً وتأثيراً، ولذا تميل مصلحة إيران نحو التوصّل إلى تفاهم مع الأوروبيّين.

كشف مصدر إيراني سياسي لـ”أساس” أنّ الأوروبيّين طرحوا مقترحاً بتمديد فترة “آليّة الزناد” من ثلاثة إلى ستّة أشهر

أمّا السيناريو الثاني فيتمثّل في تفعيل العقوبات الأمميّة، وهو ما قد يدفع طهران إلى التصعيد عبر خطوات نوويّة وربّما عسكرية، بما يزيد احتمال عودة الحرب. ولا تستبعد إيران خيار الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية NPT، معتبرةً أنّ آليّة الزناد فقدت قيمتها منذ الانسحاب الأميركي الأحاديّ من الاتّفاق النووي عام 2018، الذي أفقد الاتّفاق فعليّاً أهمّيّته.

الموقف الأوروبيّ

في اتّصال مع “أساس”، أكّد مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية أنّ الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، تراهن على نجاح محادثات الثلاثاء، فباريس تسعى إلى حجز موقع متقدّم لها في حال التوصّل إلى تسوية سياسية مع طهران، خاصة أنّ الاقتصاد الأوروبي يعاني من ضعف شديد، فيما تواجه الحكومة الفرنسية ضغوطاً داخلية متزايدة، مع دعوات إلى تظاهرات في 10 أيلول قد تنتهي بحجب الثقة عنها.

تعتبر فرنسا أنّ السوق الإيرانية تمثّل فرصة اقتصادية ضخمة، وهي جاهزة لإبرام عقود وصفقات تجارية مع طهران في حال التوصّل إلى اتّفاق يفتح الباب أمام انتعاش اقتصادي متبادل. من جانبها، تبحث إيران عن تعزيز علاقاتها مع الأوروبيين بعدما خسرت عدداً من شركائها الدوليين.

يرى مصدر غربي أنّ طهران ستواصل العمل دبلوماسيّاً لعرقلة تفعيل آليّة الزناد، وستبذل ما في وسعها للبقاء ضمن الاتّفاق النووي وأطر مجلس الأمن، تفادياً لانعكاسات خطيرة قد تهدّد استقرارها الداخلي والإقليمي.

إقرأ أيضاً: قرار مصيريّ يقترب: “اليونيفيل” تحت الفصل السابع..

تجد إيران نفسها اليوم في مواجهة استحقاق تاريخي: إمّا أن تلتزم القواعد الدولية وتوقف لعبة المماطلة والمراوغة، أو أن تتحمّل عواقب عزلتها المتزايدة وعقوبات أمميّة أكثر قسوة من أيّ وقت مضى. لم يعد أمام طهران ترف المناورة، فالمجتمع الدولي، وخاصّة الأوروبيّين، بات مدركاً أنّ سياساتها التوسّعية وتهديداتها المستمرّة تشكّل خطراً مباشراً على الاستقرار الإقليمي والدولي. وكلّما تمادت إيران في التصعيد، اقتربت أكثر من لحظة الانفجار التي قد تضعها وجهاً لوجه أمام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة، حيث لا مفرّ من العقاب ولا مجال للهروب.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@LaraMounif

مواضيع ذات صلة

برّي لن يَخضع: لا انتخابات من دون تسوية

من معركة “الأكثريّة” في الحكومة إلى معركة “الأكثريّة” في مجلس النوّاب. محور “القوّات” و”الكتائب” والفريق النيابيّ الداعم لتصويت غير المقيمين في الخارج للنوّاب الـ 128،…

هل ترفع واشنطن الغطاء عن لبنان؟

واكبت واشنطن، وخلفها دائماً تل أبيب، المسار اللبنانيّ منذ ما قبل الانتخابات الرئاسيّة، جنباً إلى جنب مع العواصم العربيّة والخليجيّة، وتحديداً الرياض. بعد انتخاب جوزف…

كلفة ما قبل التّفاوض: إسرائيل “تصنَع” سَلامَها

التفاوض آتٍ حتماً، لكن كيف وبأيّ ثمن؟ قد تختصر هذه المعادلة واقع مرحلة ما قبل جلوس الإسرائيلي واللبناني وجهاً لوجه، تماماً كما هو حاصل اليوم…

“الحزب”… بين البيانَيْن

بينما كانت الأنظار تتّجه إلى الحكومة واحتمال تعرّضها لتصدّعات بنيويّة بفعل الخلاف على قانون الانتخابات، في الشقّ المتّصل تحديداً بتصويت المغتربين، جذب بيان “الحزب” الذي…