هل هي الحرب مجدداً تلوح في سماء إيران؟ أم أنّ الضغوط كلها من أجل الوصول إلى تسوية سياسية؟
دخل النظام الايراني منعطفاً سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً خطيراً بعدما أعادت الأمم المتحدة فرض العقوبات عليه، من خلال تفعيل آلية الزناد “سناب باك” المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015 أي اعادة ايران الى أحكام الفصل السابع*.
عقب موافقة مجلس الأمن بمبادرة من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وفشل روسيا والصين، في تمديد المهلة النهائية، دخلت عقوبات قاسية تتراوح بين حظر الأسلحة وتدابير اقتصادية، حيّز التنفيذ تلقائياً الساعة الثامنة مساءً من مساء السبت (بتوقيت نيويورك)، بعد عشر سنوات من رفعها عن ايران.
كانت طهران أبرمت عام 2015 مع الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا، اتفاقاً في شأن برنامجها النووي تحت اسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، أتاح رفع عقوبات اقتصادية كان مجلس الأمن يفرضها عليها، لقاء تقييد نشاطاتها النووية. إلا أنّ مفاعيل الاتفاق باتت في حكم المُلغاة بعدما انسحبت واشنطن منه عام 2018، ما دفع طهران إلى التراجع تدريجياً عن تنفيذ بنود أساسية فيه. نتيجة لعدم التزام طهران بالاتفاق، أُعيد فرض العقوبات.
حدّد الاتفاق النووي سقف مستوى التخصيب عند 3.67 في المئة. إلا أنّ إيران باتت الدولة الوحيدة غير المسلّحة نووياً، التي تُخصّب اليورانيوم بمستويات عالية (60 في المئة)، قريبة من الحدّ التقني اللازم لإنتاج القنبلة الذرية (90 في المئة)، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تملك إيران، وفقاً للوكالة أيضاً، نحو 440 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المئة، وهو مخزون يكفي، في حال تخصيبه إلى 90 في المئة، لإنتاج ما بين 8 و10 قنابل نووية.
إيران باتت الدولة الوحيدة غير المسلّحة نووياً، التي تُخصّب اليورانيوم بمستويات عالية
حاولت طهران تفادي الآلية عبر تفاهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتقديم عرض للأوروبيين يقضي بتخفيض تخصيب اليورانيوم من 60 في المئة إلى 20 في المئة، لكن محاولتها لم تلقَ تجاوباً، بل إنّ الأوروبيين رأوا أنّ التفاهم مع الوكالة يفتقر إلى جدول زمني واضح ولا يتيح تفتيش المواقع المتضررة.
عقوبات قاسية
هكذا، من شأن تفعيل آلية الزناد، إعادة فرض عقوبات تشمل:
– شركات ومنظمات وأفراداً يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في برنامج إيران النووي أو تطوير صواريخها البالستية.
– حظراً على الأسلحة التقليدية مع منع أي بيع أو نقل للأسلحة إلى إيران. وبموجب العقوبات، تحظر الواردات والصادرات أو نقل مكوّنات أو تكنولوجيا مرتبطة ببرنامجيها النووي والباليستي.
– تجمد أصول كيانات وأفراد في الخارج تعود إلى شخصيات أو مجموعات إيرانية على صلة بالبرنامج النووي.
– منع الأشخاص الذين يصنّفون على أنهم مشاركون في نشاطات نووية محظورة، من السفر إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
– تقييد الوصول إلى منشآت مصرفية ومالية يمكن أن تساعد برنامجي إيران النووي والباليستي، وتجميد أصول أي شخص ينتهك نظام العقوبات حول العالم.
كما يمكن حاليا إعادة فرض عقوبات منفصلة حددها الاتحاد الأوروبي إلى جانب تلك الدولية. الهدف من العقوبات ضرب الاقتصاد الإيراني، ليس لعرقلة النشاط النووي فحسب، بل كذلك للضغط على طهران مالياً لإجبارها على الامتثال.
فور تجديد العقوبات، تعرّض الاقتصاد الإيراني لنكسة جديدة، اذ ارتفعت الأسعار بعدما انهار سعر صرف الريال الإيراني الى مستوى قياسي تجاوز 1.12 مليون ريال للدولار، في حين ازداد الإقبال على شراء الذهب في بازار طهران.
يحضر الضغط الإقليمي غير المباشر ضمن سيناريوات إيران وخياراتها بعد العقوبات، عبر استخدام النفوذ من خلال الحلفاء الإقليميين
الخيارات الإيرانية الصعبة
هذا الحال وضع إيران أمام خيارات صعبة:
-التصعيد النووي المحدود لزيادة الرفع التفاوضي، مع توطيد التحالفات الشرقية مع الصين وروسيا، لامتصاص الضغط الاقتصادي، مع ترك الباب الدبلوماسي مفتوحاً أمام التفاوض غير المباشر مع واشنطن. لكن هذا الخيار يزيد المخاطر على إيران بعد تفعيل آلية الزناد، ذلك أنّ طهران وضِعت بموجبها تحت الفصل السابع؛ ما يجيز استخدام القوة العسكرية ضدها، لذلك فإنّ الخيار التصعيدي على الجانب النووي صعب للغاية.

كذلك إنّ الخيارات التصعيدية السياسية من خلال سحب السفراء أو قطع العلاقات غير متاحة فعلياً، ولا تؤثر على قرار الدول الغربية التي قلّصت فعلاً عدد موظفيها وسحبت ديبلوماسييها من طهران قبل شهر، في حين دعت دول أوروبية مواطنيها لمغادرة إيران فوراً. لذلك يعتبر استدعاء طهران لسفرائها هو رد على ما قامت به بلدان أوروبية وليس على تفعيل آلية الزناد.
-الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي، وهذا بمثابة انتحار لأنّه يقدم الذريعة لإسرائبل لتوجيه ضربة جديدة لإيران بمساعدة أميركية. وفي هذا السياق أكد بنيامين نتنياهو المتربص شراً بإيران، في آخر تصريحاته لقناة “فوكس نيوز” أنّ إسرائيل تعلم مكان تخزين إيران لليورانيوم المخصب، مشيراً إلى أنه تمّ إطلاع الولايات المتحدة على هذه المعلومات الاستخباراتية.
من بين الخيارات أيضاً، ذهاب طهران إلى سيناريو تفعيل آلية “تسوية المنازعات” المنصوص عليها في الاتفاق النووي. وهذا الخيار يعتمد بشكل أساسي على تطورات المفاوضات غير المباشرة مع واشنطن، ونتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة.
لكن ثمة إشكال يتمثل في عدم توافق بين الحكومة الإيرانية ومجلس الشورى والحرس الثوري، حول خيارات التعامل مع استرجاع العقوبات الدولية، في وقت لا تريد الحكومة التصعيد وترغب في التفاوض مع واشنطن بينما يتطلع الحرس الثوري الى عكس ذلك. أمّا البرلمان الإيراني فهو منقسم في ظل وجود من يضغط داخلياً للذهاب إلى تزويد الصواريخ رؤوساً نووية .
فور تجديد العقوبات، تعرّض الاقتصاد الإيراني لنكسة جديدة، اذ ارتفعت الأسعار بعدما انهار سعر صرف الريال الإيراني
كما يحضر الضغط الإقليمي غير المباشر ضمن سيناريوات إيران وخياراتها بعد العقوبات، عبر استخدام النفوذ من خلال الحلفاء الإقليميين لتضييق الخناق على المصالح الأميركية والأوروبية في المنطقة، ورفع تكلفة عدم التفاوض مع طهران، من دون مواجهة مباشرة.
تناغم أوروبي- أميركي لمصلحة ترامب
بيد أنّ قرار مجلس الأمن كشف حقيقة أنّ الدول الأوروبية باتت تتحرك في تناغم تام مع واشنطن، ولم تعد تكتفي بمطلب نووي بحت، بل باتت تدفع باتجاه مفاوضات شاملة تشمل البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي الإيراني. وهذا من شأنه أن يعزز أوراق الضغط في يد الولايات المتحدة التي لا تُظهر أي رغبة في صفقة تبادلية مع طهران، بل تسعى إلى ما يشبه التسليم السياسي الكامل. لا بل إنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب قد تعمد الى استغلال قرار مجلس الأمن لتشديد الضغوط على إيران وفرض مطالب غير واقعية لا يمكن القبول بها.
كشف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في نيويورك أنّ واشنطن “تريدنا أن نُسلّمها كلّ اليورانيوم المخصّب لدينا، في مقابل إعفاء من العقوبات لمدة ثلاثة أشهر… ذلك غير مقبول بأي شكل من الأشكال”. أضاف: “بعد بضعة أشهر، سيكون لهم مطالب جديدة وسيقولون (مجدّداً) إنهم يريدون تفعيل آلية العقوبات”.
إقرأ أيضاً: إيران: من السّيطرة إلى الحفاظ على النّفوذ
هذا وضع غير مسبوق لإيران، يشد الخناق عليها يجعل مستقبل الملف مفتوحاً على سيناريوات شديدة التعقيد قد لا تقف عند حدود الجمهورية الإسلامية.
*الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يمنح مجلس الأمن سلطة تحديد التهديدات للأمن الدولي واتخاذ تدابير قسرية، بما في ذلك الإجراءات غير العسكرية كالقيود الاقتصادية، وصولاً إلى التدخل العسكري، لحفظ السلام والأمن أو استعادتهما، ويشمل هذا الفصل المواد من 39 إلى 51 من الميثاق.
