لا يا وزير الدفاع. رئيس الحكومة ليس باش كاتب. وليس حرفاً ناقصًا في المعادلة الوطنية. هو رأس السلطة التنفيذية. والقائد الأعلى للقوات المسلحة في غياب الرئيس. والمسؤول الأول والأخير عن كل صغيرة أو كبيرة في البلد.
انطعج خاطر ميشال منسى بعد مطالبته من رئيس الوزراء باتخاذ الاجراءت المناسبة وتوقيف المتورطين في غزوة الروشة، فسارع إلى إصدار بيان يقول فيه إن لهذا الجيش وطناً يصونه ورئيسًا يرعاه وقائدًا يسهر عليه، تمامًا كما لو أنه يريد القول إن رئيس الحكومة هو مجرد ديكور في تركيبة البلاد، ولا علاقة له على الإطلاق بالمؤسسة الوطنية الأم، والتي تحمل على أكتافها ثلاثية السلم الأهلي والوحدة الوطنية والعيش المشترك.
فات السيد منسى أن رئيس الحكومة هو الأساس المؤسس في تركيبة العملية السياسية. وهو الركن الركين في أي قرار أو موقف رسمي. وهو المرجع والمؤتمن الأول على السلطة التنفيذية. فاته أيضًا أنه يستلم صلاحيات الرئيس حال غيابه. فيصير بالتالي القائد الأعلى للقوات المسلحة. والمسؤول الأول عن اتخاذ القرار وإذا فاته أمر من هذه الوقائع فعليه أن يقرأ الدستور جيداً قبل أن يدلي بآرائه. من يحمي الجيش وقائده ويحقق الإجماع هو الإلتزام بالدستور، وليس الاختباء وراء الرئيس، مع الاعتراف بدوره الرئاسي وأسبقيته في قيادة الجيش.
لا يا وزير الدفاع. رئيس الحكومة ليس باش كاتب. وليس حرفاً ناقصًا في المعادلة الوطنية. هو رأس السلطة التنفيذية
عقلٌ مريض
كان الأجدى بحضرة وزير الدفاع أن يُسارع إلى إدانة حزب الله على خرق القانون، وكسر قرارات رئيس الحكومة، وتعريض البلاد برمتها إلى منزلق شديد الخطورة، بدل التصويب على الرئيس سلام من قناة الصلاحيات التي ما اسمنت يومًا ولا أغنت من جوع. بل أعادت البلاد برمتها إلى منطق المحاصصة والتفاهات والصغائر، وكأنه لا يحق لأعلى مرجعية في البلد أن تطالب الأجهزة الأمنية في البلاد بضبط الفلتان وبإعادة الأمور إلى نصابها.
هذا العقل المريض. ينتظر فرصة للانقضاض على موقع رئيس الحكومة وعلى شخص شاغله، ليفرغ ما تيّسر من الحقد والضغائن، وليغمز من قنوات مذهبية وطائفية مقيتة، غير آبه لا بوضع البلد ولا بهيبة الدولة ولا بكرامة المؤسسات. المهم لدى هذا العقل الدائم الارتياب أن يقنص أي حركة للتصويب الأعمى، في مشهد بات مستفزًا ومقززًا حد القرف.
ما هو المطلوب يا سيد منسى؟ أن يُكسر قرار الدولة وهيبتها وسمعتها وصورتها امام الكون، بينما يقف رئيس الحكومة صامتًا على هذا الاعتداء الموصوف؟ ألم يكن الأجدى بك وبمن تُمثل أن تُسارع إلى معالجة الوضع وضبطه والارتصاف خلف رئيس الحكومة وكرامة البلد بدل التلهي بتفاهات وبيانات وأحقاد أكل عليها الدهر وشرب؟
لا أحد يريد مصادرة صلاحيات الرئيس. ولا أحد يريد القفز فوق سور أحد. ولا الاعتداء على ماكنة أحد. ولا على دور أحد. هذه البلاد لا تُبنى بالأحقاد والتنازع بل بالثقة المتبادلة والايمان المطلق بمسؤوليتنا جميعًا عن خلاص البلد وعن عزته وعن كرامته.
رئيس الحكومة ليس سنيًا. ورئاسة الحكومة ليست موقعًا للسنة. هو الدولة وهي البلد. والسنة أهل الدولة وحراسها وحصنها الحصين
الحفر في العصبيات
كان الأجدى بوزير الدفاع ومن يقف خلفه ومن يهمس في أذنيه أن يتعالوا عن الصغائر والولدنات، وأن يكفوا عن الحفر العميق في العصبيات البائدة، وأن يذهبوا جميعًا نحو معالجة الأمور وضبطها، لأن كرامة رئيس الحكومة من كرامة الدولة ومن كرامة اللبنانيين أجمعين، وحين يصير الاعتداء عليه، تتحرك الدولة برمتها كجسد واحد، لا كدكاكين يحكمها مستشار من هنا أو مريض من هناك.
لا يزال العقل يحضرنا ونحن نوجه هذه الرسالة. نضبط النفس ونتعالى عن الجراح. لكن الأمور لا يصح أن تكون على هذا النحو. ومن كان يظن أن نواف سلام هو متروك أو وحيد، فهو واهم ومشتبه، ومن شاء أن يُجرب ننصحه بالتعقل، لأن كل ماء العالم لن يُطفئ النار التي ستحرق الأخضر واليابس.
رئيس الحكومة ليس سنيًا. ورئاسة الحكومة ليست موقعًا للسنة. هو الدولة وهي البلد. والسنة أهل الدولة وحراسها وحصنها الحصين. لكن لا تختبروا حلمهم وصبرهم. ولا تُجربوا بأسهم.
إقرأ أيضاً: رئيس الحكومة مستاء جدّاً من “الجنرالين”: قصّروا معي!
لمتابعة الكاتب على X:
