كلوديا كاردينالي: الجميلة التي نامت إلى الأبد

مدة القراءة 5 د

عن 87 عاماً توفيت أمس الممثلة الإيطالية التونسية كلوديا كاردينالي، قرب العاصمة الفرنسية باريس، حيث أمضت سنواتها الأخيرة.

 

الجميلات لا يمتن. ينمن فحسب. يبقين خالدات بجمالهنّ. أحسب أنهنّ يبقين في ذروة جمالهنّ. يولدن في تلك الذروة ويبقين فيها أبد الدهر. كل صورة لهنّ خارج تلك الذروة، يشكك فيها الناس وفي صحتها. كان هذا قبل الذكاء الاصطناعي فكيف الحال في عصره، عصر توليد الصور غبّ الطلب؟ الجميلات أقرب ما يكنّ إلى “الجميلات النائمات” في رواية الياباني ياسوناري كاواباتا، التي تحمل الاسم نفسه. نائمات دائماً ينضحن جمالاً، ويخلقن الرغبة والشهوة والفنّ والحياة نفسها، ولا يمكن مسّهنّ أو إيقاظهنّ.

كلوديا كاردينالي أيقونة السينما وجميلة الجميلات. وهي من الجميلات هؤلاء وقد نامت أمس. صحيح أنها فنانة موهوبة وممثلة من طراز رفيع، لكنها قبل ذلك وبعده جميلة وحسب، وهذه صفة ومهنة وموهبة وحظوة من الخالق.

في أعمالها، مزجت كلوديا بين القوة والهشاشة والجمال، وطبعت في الأذهان صورة امرأة أشبه ما تكون بجميلات كاواباتا النائمات

عن 87 عاماً غادرتنا أمس النجمة الإيطالية والتونسية والمصرية والعالمية كلوديا كاردينالي، في نيمور قرب باريس في فرنسا، حيث كانت تعيش. إيطالية لجذورها الصقلية، وتونسية بحكم المولد والنشأة، ومصرية بحكم مصر والانطلاقة والهوى وعمر الشريف. أما العالمية، فمن جمالها تماماً كما هي من هوليوود، ومن تمثيلها الرائع وموهبتها.

هي آخر نجمات القرن العشرين، وأيقونات هوليوود، وأهم ممثلة إيطالية، ومن “أجمل 50 امرأةً في تاريخ السينما”، حسب جريدة “لوس أنجلوس تايمز” في عام 2011.

من تونس إلى هوليوود

وُلدت كلوديا كاردينالي عام 1938 في حلق الوادي في تونس. عام 1957، حين شاركت الإيطالية التونسية، أو التونسية الإيطالية، أو المتوسطية كلوديا كاردينالي في مسابقة للجمال، فازت فيها وأُُعلنت جميلة جميلات الإيطاليات التونسيات، لم تكن تعلم أنّ التاج الذي وُضع فوق جمالها سيكون جواز سفرها إلى النجومية والعالمية. وصفت ذات مرة بداياتها بأنها “صدفة فنية”. كانت تقول إنها لم تخطط للدخول إلى السينما، وإنّ الدعوة إلى ذلك استمرت لستة أشهر قبل أن تقبل أخيراً.

كانت مكافأة الفوز رحلة إلى مهرجان البندقية السينمائي، وتالياً العودة إلى جذورها هناك، حيث سحرت المنتج الإيطالي فرانكو كريستادالي الذي أحبّها وأنجبت منه ابنها باتريك، وانطلقت نجمةً ترصّع سماء العالم والسينما والفن، قبل أن ينفصلا وترتبط بعلاقة مع المخرج باسكوالي سكويتيري، والد ابنتها كلوديا.

الانطلاقة السينمائية الفعلية كانت من مصر، حيث شاركت في فيلم “جحا” (عُرض عام 1958، وهو من إنتاج تونسي فرنسي)، جنباً إلى جنب مع عمر الشريف في أولى بطولاتهما، وظلّت طوال عمرها تتحدث عن مصر والقاهرة والمصريين والصداقة التي جمعتها بعمر الشريف.

أما الانطلاقة إلى الشهرة والنجومية والعالمية، فكانت عام 1963، من خلال فيلم “ثمانية ونصف”، للمخرج فيديريكو فيلليني، وفيلم “ذا ليوبارد” ولعبت دور البطولة فيه إلى جانب بيرت لانكستر. كما لمعت كاردينالي في فيلم “Roccoand His Brothers”، للوتشينو فيسكونتي. نجاحها في هذه الأفلام، خاصةً مع فيلليني وفيسكونتي، فتح لها أبواب هوليوود، حيث شاركت في “النمر الوردي” لبليك إدواردز، و”ذات مرة في الغرب” عام 1968.

تغادرنا كاردينالي، حافرةً في أذهاننا وخيالنا مشاهد لا تُنسى، مشاهد تبقيها بيننا وفي بيوتنا وأمام ناظرينا، وتبقينا على جمال وفتنة وحب وشغف

150 فيلماً وجوائز لا تُعدّ

في سيرتها المهنية أكثر من 150 فيلماً، تتنوّع بين الكوميديا والدراما وأفلام الويسترن، وعمالقة في التمثيل من طراز أنتوني كوين، شون كونوري، هنري فوندا، جون واين، أورسون ويلز، بيرت لانكاستر، آنتوني كوين، عمر الشريف، لورنس أوليفييه، وآلان ديلون. وفي الإخراج من قماشة فيلليني، فيسكونتي،  كومنتشيني، زيفيريلي، سكويتيري، بولونيني، سيرجيو ليوني، وزافاتيني وغيرهم كثر.

من أفلامها الشهيرة بالإضافة إلى ما سبق ذكره: “روكو وإخوته (1960)، “الفتاة مع الحقيبة” (1961)، “عالم السيرك” (1964)، “المحترفون (1966)، “حدث ذات مرة في الغرب” (1968) و”فيتزكارالدو” (1982).

أما التكريمات والجوائز فأكثر من أن تُعدّ وتُحصى؛ كاردينالي كانت نجمة الستينيات والسبعينيات بلا منازع.

جائزة الدبّ الذهبي الفخرية من مهرجان برلين السينمائي الدولي (2002).

جائزة الإنجاز مدى الحياة من مهرجان كان السينمائي (2011).

وسام جوقة الشرف الفرنسية برتبة ضابط (2000).

جائزة الفيلم الأوروبي عن الإنجاز الفني (2002).

إقرأ أيضاً: مات الحارس بعدما ماتت الجمهوريّة

مشاهد لا تُنسى

تغادرنا كاردينالي، حافرةً في أذهاننا وخيالنا مشاهد لا تُنسى، مشاهد تبقيها بيننا وفي بيوتنا وأمام ناظرينا، وتبقينا على جمال وفتنة وحب وشغف، أبرزها رقصها مع بيرت لانكاستر في “الفهد”، في مشهد مؤثّر، وحضورها الطاغي والأسطوري في لقطات فيلليني الذي جعلها أيقونةً وامرأةً لا تُنسى في فيلم “ثمانية ونصف”.

في أعمالها، مزجت كلوديا بين القوة والهشاشة والجمال، وطبعت في الأذهان صورة امرأة أشبه ما تكون بجميلات كاواباتا النائمات: من الآن وصاعداً، يمكننا النظر إليها من بعد، واكتشاف الفنّ والجمال والحياة.

لمتابعة الكاتب على X:

@jezzini_ayman

مواضيع ذات صلة

ميشال عيسى… لاعبُ غولف في ميدان لبنان

من هو السّفير الأميركيّ الجديد في لبنان ميشال عيسى؟ ما الذي دفعَ الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب لاختياره؟ ما هي مهمّته؟ ماذا يعني تعيينه؟   ينتظر…

إسكندر حبش… كتب ليُصغي ومات كجملةٍ لم تكتمل

على مثال صباحات لبنانيّة حزينة استيقظت بيروت في خريفها على موت إسكندر حبش، الشاعر والمترجم والصحافيّ الثقافيّ بعد صراع مع مرض السرطان. وكأنّه أكمل الجملة…

طليع حمدان يلتحق بالجوقة: لبنان ينقص بستان قوافٍ

على أبواب الشتاء، غادرنا آخر شعراء الزجل الكبار، طليع حمدان. برحيله تُطوى صفحة ناصعة من تاريخ لبنان والزجل والربيع.   لن تشخص عيون اللبنانيّين نحو…

مات الحارس بعدما ماتت الجمهوريّة

ما مات حسن الرفاعي لأنّه بلغ من العمر عتيّاً (102). الرجل ما كانت السنوات بقادرة على النيل من عقله وحكمته. أسلم الروحَ ابن مدينة بعلبك…