الدوحة على موعد مع قمّة إسلامية استثنائية. ليست اجتماعاً دوريّاً يُضاف إلى الأرشيف وحسب، بل لحظة يتقاطع فيها الرمزيّ بالسياسي، وتتجلّى فيها دلالات المكان والزمان معاً. فما كان يمكن أن تنعقد هذه القمّة في غير الدوحة، بعدما تعرّضت لاعتداء إسرائيليّ مباشر، وما كان يمكن أن تكون خليجية أو عربيّة فقط، لأنّ المقصود لم يعد حدود قطر وحدها، بل الرسالة التي تومئ إليها: الاستهداف يتجاوز الدولة الصغيرة ليصيب المعنى الأكبر، وهو استقلال القرار وقدرة الأمّة على أن تحمي إحدى عواصمها.
تذكّرنا قمّة الدوحة الإسلاميّة بلحظة مشابهة قبل نحو سبعين عاماً، حين تعرّضت مصر لعدوان ثلاثيّ عام 1956. آنذاك بدا الأمر في بدايته أزمة محلّية تخصّ قناة السويس، لكن سرعان ما تحوّل إلى قضيّة عربيّة وإسلاميّة، ووجدت الشعوب نفسها أمام امتحان التضامن الذي تجاوز الحسابات الإقليمية الضيّقة. والدرس هنا أنّ استهداف بلد بعينه قد يكون الشرارة التي تُشعل وعياً جماعيّاً أكبر، وهو ما ينطبق اليوم على قطر، إذ لم يعد العدوان الإسرائيلي عليها شأناً قطريّاً صرفاً، بل تحدٍّ يطال مكانة الأمّة كلّها وصورتها أمام العالم.
إذ تستضيف الدوحة هذه القمّة تقدّم نفسها مرّة أخرى مساحةَ اختبار، اختبار للإرادة الإسلامية قبل أن يكون اختباراً للتوازنات الإقليميّة. فالمسألة لم تعد مرتبطة بحجم الدولة ولا بوزنها العسكري، بل بقدرتها على أن تجعل الاعتداء عليها قضيّة أمّة. وهذه، في جوهرها، هي الرسالة التي ستظلّ حاضرة.
قد لا تكون النتائج المتوقّعة دراماتيكيّة، فلا أحد يتوقّع أن تنقل القمّة العالم الإسلامي من التشرذم إلى الوحدة دفعة واحدة
السؤال الذي يسبق النتائج: لماذا إسلاميّة؟ أليس من المفترض أن تبدأ الاستجابة من الخليج أو من العرب الأقربين؟ ربّما يكمن الجواب في أنّ ما هو أقرب جغرافيّاً قد يكون أبعد سياسيّاً. في حين أنّ ما يبدو أوسع من الناحية الديمغرافيّة، أي الأمّة الإسلامية، صار هو المظلّة الممكنة عندما تضيق المظلّات الأخرى. وهكذا تتقدّم منظّمة التعاون الإسلامي، على الرغم من كلّ ما يُقال عن ضعفها، لتملأ فراغاً خلّفته كيانات كان يفترض أن تكون أكثر حضوراً قبل الجامعة العربية.

لا تقتصر التوقّعات من هذه القمّة على بيانات شجب أو بيانات تضامن لفظيّ. فالمطلوب أن تضع حدّاً لسياسة إسرائيليّة باتت تراهن على استفراد العواصم الواحدة تلو الأخرى. ولو نجحت القمّة في تثبيت مبدأ الردّ الجماعيّ، ولو بالرمزيّة، تكون قد كسرت معادلة أرادها نتنياهو: عزل كلّ دولة على حدة وتجريدها من عمقها. أمّا إذا اكتفت الجلسات بالكلام المكرّر، فتكون إسرائيل قد ربحت الجولة مجدّداً لأنّها أثبتت أنّ الأمّة، مع اتّساعها، عاجزة عن تحويل الغضب إلى فعل.
تذكّرنا قمّة الدوحة الإسلاميّة بلحظة مشابهة قبل نحو سبعين عاماً، حين تعرّضت مصر لعدوان ثلاثيّ عام 1956
استهداف قطر مساسٌ بالجميع
تأتي القمّة في توقيت شديد الحساسيّة. العالم العربي مثقل بالحروب المفتوحة من غزّة إلى لبنان واليمن، والولايات المتّحدة منشغلة بانتخابات تجعل قرارها الخارجي مرتبكاً، وإسرائيل غارقة في أزمتها الداخليّة وتبحث عن متنفّس في تصدير العنف إلى الخارج. في هذا السياق تصبح قطر هدفاً مثاليّاً: صغيرة المساحة، لكنّها كبيرة التأثير في الإعلام والوساطة والدبلوماسية. وما لا يقوله نتنياهو علناً أنّ تحييد الدوحة يعني تعطيل أحد أهمّ خطوط الوساطة في الصراع الفلسطيني، وإسكات صوت إعلاميّ طالما أربكه.
إقرأيضاً: ضربة الدوحة: ترهيب حملة الاعتراف بدولة فلسطين؟
قد لا تكون النتائج المتوقّعة دراماتيكيّة، فلا أحد يتوقّع أن تنقل القمّة العالم الإسلامي من التشرذم إلى الوحدة دفعة واحدة، لكن يكفي أن تُطلق إشارة إلى أنّ الاعتداء على قطر ليس شأناً ثنائيّاً، بل مساس بالجميع. يكفي أن تخرج القمّة بمبادرة لمتابعة ما جرى، أو بخطوة تضامنيّة عمليّة تتحوّل من ردّ فعل إلى بداية فعل.
* كاتب وصحافي أردنيّ
