“المفدي” في دمشق: لا داعي للهلع

مدة القراءة 5 د

ينقل المفكّر والكاتب والزميل في “أساس” محمّد السمّاك عن نائب الرئيس السوري الأسبق عبدالحليم خدّام قوله بما يشبه رسالة تهديد للمفتي الشهيد الشيخ حسن خالد قبل اغتياله في 16 أيّار 1986 بأسابيع: “إنّ ربطة الشاش لا تصنع المفتي، وإنّ المفتي خالد هو مفتي جونية وليس مفتي المسلمين”.

بعد 36 عاماً يتوجّه سيّد دار الفتوى حاليّاً، حامل أمانة عمامة المفتي حسن خالد، مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان إلى دمشق على قاعدة “لا يصحّ إلّا الصحيح”.

 

في ساعات الصباح الأولى من يوم السبت المقبل، يدخل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان المسجد الأمويّ في دمشق، وعن يمينه أمين الفتوى الشيخ أمين الكرديّ، وعن يساره أمين فتوى الشمال الشيخ بلال بارودي، وخلفهم مجلس المفتين ورئاسة المحكمة الشرعية. ومع ذلك سيتقدّم طيف حسن خالد الجميع. سيؤمّهم هناك دون أن يشعروا وهم يؤدّون صلاة قصيرة “تحيّة للمسجد”، وإن لم يكن لهذه الصلاة من إمام جامع. سيؤدّون تحيّة لمسجد يحمل كلّ دلالات السياسة والدين في محرابه ومئذنته حيث وعد الله بمكان هبوط السيّد المسيح متّكئاً على ملَكين لنصرة هذا الدين.

اللافت في الوفد أنّ على يمين ويسار المفتي دريان شيخين اتّهمهما نظام الأسد وعملاؤه في أجهزة البلد بنصرة الثورة السورية التي باتت اليوم تتربّع في قصر المهاجرين. الشيخ أمين الكردي الذي كانت كلّ تقارير السفارات والاستخبارات والمخبرين “أولاد الحرام” تنقل خطبه من على منبر محمد الأمين، عندما انتصر لحماة وساند الزبداني وجوعها وبكى على دمار جوبر ودوما وحرستا، وصرخ بأعلى صوته “لن تسقط إدلب، وستبقى عصيّة على الظالمين”. أمّا الشيخ بلال بارودي فكانت التقارير الأمنيّة التي تنتشر تنقل أساطير وأكاذيب عن أنّه كان ينقل السلاح بصندوق سيارته، وكان شيخ قرّاء طرابلس في حينه، إلى تلكلخ وحمص وباب عمرو قلعتها طوال تلك السنين.

بعد 36 عاماً يتوجّه سيّد دار الفتوى حاليّاً، حامل أمانة عمامة المفتي حسن خالد، مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان إلى دمشق

دار الفتوى وقصر المهاجرين

لم تكن علاقة دار الفتوى في لبنان سويّة في يوم من الأيّام مع قصر المهاجرين في دمشق، وعلى الطريق بين عائشة بكّار ودمشق كثير من الدماء والمآسي. إذ سقط العديد من الشهداء والجرحى من حسن خالد مروراً بصبحي الصالح وليس انتهاء بأحمد عسّاف ودماء الشيخ أحمد البابا أطال الله عمره على ذاك الرصيف في منطقة الملّا.  ونُفي الكثيرون على تلك الطريق من تقيّ الدين الصلح “مدبّر” اللقاء الإسلامي، وصولاً إلى نهاد المشنوق الشابّ الذي كان في حينه يعِد بالكثير الكثير.

أزمة دار الفتوى مع نظام الأسد أنّها لا تستأذن أحداً عندما تصوغ بياناتها أو تعقد اجتماعاتها. أزمة دار الفتوى مع نظام البعث أنّها عندما تعقد القمم تمنح للقمّة قيمتها وبُعدها وأهمّيتها. تحوّلت قرية صغيرة على كتف بيروت اسمها عرمون إلى عنوان يعرفه القريب والبعيد.

مشكلة دار الفتوى مع حافظ الأسد أنّ المفتي حسن خالد عندما زار دمشق في يوم من الأيّام للقاء الأسد، رفض أن ينتظر في أحد فنادق دمشق أكثر من 10 دقائق، فوقف معترضاً طالباً من مرافقيه العودة إلى بيروت، فكرامة العمامة تتقدّم على كرامة الجميع.

ذروة أزمة دار الفتوى في لبنان مع النظام السوري في كلّ الفترات والعصور في عهدَي الأب والابن أنّه تمسّك بالتعايش الوطني والحوار الإسلامي المسيحي، وأنّ المفتي خالد منذ قمّة عرمون الأولى حمل شعار لبنان أوّلاً ضارباً عرض الحائط بغضب العدوّ والجار والصديق.

لم تكن علاقة دار الفتوى في لبنان سويّة في يوم من الأيّام مع قصر المهاجرين في دمشق، وعلى الطريق بين عائشة بكّار ودمشق كثير من الدماء والمآسي

هذا ما سيقوله المفتي دريان

بعد صلاة المسجد الأمويّ يتوجّه الوفد إلى قصر المهاجرين، وقد رفعت لافتة على بابه لا يمكن أن يقرأها إلّا المؤمنون كُتب عليها “ادخلوا إلى هذا القصر آمنين”. سيجلس المفتي ووفده مع الرئيس أحمد الشرع. لن يتآمروا على أحد في سوريا أو لبنان أو أيّ بلد آخر شقيق. لن يعقدوا صفقة ثنائية. لن يعلنوا توحيد الساحات. لعنة الله على هذا المصطلح البغيض. بل سيتحدّثون بلغة واحدة لا يجيد سُنّة العالم غيرها، لغة الدولة والمؤسّسات والأخلاق التي تصون المجتمعات في كلّ آن وحين.

سيخاطب المفتي دريان الرئيس الشرع على أنّه رئيس دولة شقيقة صديقة له في القلوب مودّة ومحبّة وتقدير. وسيخاطب الرئيس أحمد الشرع المفتي دريان على أنّه مفتي الجمهورية اللبنانية وليس مفتي محافظة سورية كما كان يفعل النظام الساقط البغيض. فلا أحمد الشرع يطمع بولاء مفتي لبنان، ولا مفتي لبنان يسعى إلى الاستنجاد بالشرع. قالها قبل اللقاء وسيقولها بعد اللقاء: سُنّة لبنان لا يمكن لأحد أن يمسّهم. هم يعيشون بطمأنينة وإيمان لأنّ رعايتهم بيد ربّ العالمين.

إقرأ أيضاً: انفجار كنيسة “الدّويلعة”: التّوقيت المريب

لا داعي للهلع والتحليلات السخيفة وفبركة المؤامرات والسيناريوهات الهوليووديّة عن زيارة مفتي الجمهورية. فليطمئنّ الجميع. لقد صدق عبدالحليم خدّام عندما قال لمحمّد السمّاك إنّ “مفتي الجمهورية هو مفتي جونية”. أتدركون لماذا؟ لأنّ جونية وأهلها عند المسلمين منذ عهد الإمام الأوزاعيّ أمانة إلى يوم الدين. ومن هنا كانت صفة “المفدي” أنّه مفتي الجمهورية اللبنانية، مفتي المسيحيين والمسلمين.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ziaditani23

مواضيع ذات صلة

حين يغيب نائب الإمام الغائب أيضاً

يستمدّ نظام الجمهورية الإسلامية في إيران هويّته، من نيابة المرشد الأعلى عن صاحب الزمان، الإمام المهديّ الغائب منذ القرن التاسع الميلادي، والمنتظَر ظهوره آخر الزمان،…

الانتخابات العراقيّة: متى يعود الصّدر ويقلب الطّاولة؟

مع اقتراب موعد الحادي عشر من تشرين الثاني موعد إجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة، يزداد منسوب التوتّر في المشهد السياسي العراقي. إذ يشهد توتّرات متشعّبة ومعقّدة…

نتنياهو وترامب: حرب إيران توحِّد… والسّلام يفرِّق

في مشهد يُذكّر بقمم ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين اجتمع قادة الحلفاء لتقاسم النفوذ وبدء مرحلة ما بعد الانتصار، جاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي…

السّلاح الفلسطينيّ في مخيّماته”: ما دور “الحزب”؟

بالغت قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، وربّما بتسرّع وخفّة، في الوعد، على لسان الرئيس محمود عبّاس، بالاستعداد الكامل لتسليم السلاح الفلسطيني في لبنان. بدا…