غاب السنوار ويستمرّ الحلم الفلسطينيّ

مدة القراءة 4 د

ضربة مزدوجة في الرأس تلقّتها حركة حماس في فترة زمنية قصيرة، الأولى استشهاد الرجل الأوّل إسماعيل هنية، والثانية استشهاد يحيى السنوار الذي خلفه في الموقع.

الاثنان يمثّلان النسق الثاني في المنظومة القيادية لحماس، حيث استشهد أهمّ رجالات النسق الأوّل، وعلى رأسهم المؤسّس والموحّد الشيخ أحمد ياسين.

 

بعد غياب رجالات هذا النسق، كانت الحركة في حالة صعود تجاوزت بها غياب كبارها، ولوحظ أنّ الحركة الإسلامية لم تعانِ من فراغ قيادي، وهو ما أدّى إلى تعويض الغائبين بحضور لرجال كانوا أقوى وأكثر فاعلية، إذ وصلت الحركة إلى حدّ التنافس على الزعامة الفلسطينية بإجمالها، من خلال نفوذٍ متنامٍ في الوطن والشتات، ونازعت حركة فتح على شعبيّتها المتكرّسة، إذ فازت عليها في الانتخابات التشريعية، وانقلبت على سلطتها في غزة لتشكّل أوّل نظام سياسي إخواني في المنطقة.

سطوع نجم الطّوفان

توافر للحركة دعم سياسي وماليّ وتحالفيّ مؤثّر وفعّال، إذ لم تكتفِ بترسيخ نظام حكمها في غزة سياسياً وإدارياً وأمنيّاً، بل أسّست بنية تحتية لمقاومة عسكرية أنتجت بعد حروب متعدّدة زلزال السابع من أكتوبر 2023، الذي وضع المنطقة كلّها في حالة اشتعال دائمٍ نافس في تأثيره الإقليمي والدولي الاشتعال الأوروبي الذي مركزه أوكرانيا.

السنوار

منذ السابع من أكتوبر وعلى مدى سنة وأحد عشر يوماً سطع نجم يحيى السنوار، منظّم ومنفّذ طوفان الأقصى، وقائد معركة التصدّي للحرب الانتقامية التي أطلقتها إسرائيل تحت مسمّى السيوف الحديدية، وعلى مدى فصول الحرب كان السنوار وفق التراتبية التنظيمية في حماس يحتلّ المرتبة الثانية، إلا أنّه في الواقع كان من حيث الفاعلية ودرجة التأثير على القرار في المقام الأوّل، وبعد اغتيال هنية وظهور تنافس داخلي حادٍّ على خلافته، كان السنوار هو الحلّ، فانتخب زعيماً للحركة حيث تكرّس رسمياً قائداً سياسياً مركزياً وميدانياً.

المكابرة الفلسطينية مألوفة في حال غياب كلّ قائد في مسيرتهم الراشحة بالدم والمكتظّة بفقد القادة اغتيالاً أو في غمار الحروب التي لم تتوقّف

غياب السنوار بالاستشهاد وهو في قلب المعركة اختلف كثيراً في تأثيره عن غياب أسلافه من النسق الأوّل، وهو ما يجعل من تعويضه وملء الفراغ الذي يخلّفه وراءه أمراً في غاية الصعوبة، إذ غاب القائد الميداني والسياسي في الوقت الذي كانت غزة محتلّة وتحت النار، ومحاصرة بالمطلق بحيث لم يعد متنفّسها الوحيد يعمل، وأمّا محيطها التحالفيّ على الجبهة الشمالية وما وراءها فيواجه دعوات جدّية لفك الارتباط معها، وهو ما يعرّضها لحالة من الاستفراد الإسرائيلي بها، وذلك مع تناقص أو توقّف الدعم المالي، وتراجع الدعم الإيراني، وكل ذلك يبدو ثانوياً أمام واقع غزة المأساوي، حيث الدمار الشامل والموت اليومي الذي بلغ خمسين ألفاً وما يزال النزف مستمرّاً وإلى أجل غير مسمّى.

قبضة من حديد

كان السنوار ممسكاً بخيوط اللعبة بقبضة من حديد، فلا أحد في الخارج يجتهد بما لا يرضيه، وقيادته لمعركة الداخل المعقّدة تميّزت بكفاءة عالية، إلا أنّها خلت من معظم الرفاق المساعدين، ولا أحد يعرف مدى كفاءة النسق الثالث الذي لم يُختبر بعد، ولا يعرف من هو الرجل المركزي الذي سيقوده؟ وهل يكون بكفاءة وتجربة يحيى السنوار؟

غياب السنوار موجع ومؤثّر، لكنّ الحياة تمضي في مساراتها، وحياة الفلسطينيين مقترنة بحلم أقوى من الحقيقة هو حتمية بلوغ الحرّية والاستقلال مهما كان الثمن

المكابرة الفلسطينية مألوفة في حال غياب كلّ قائد في مسيرتهم الراشحة بالدم والمكتظّة بفقد القادة اغتيالاً أو في غمار الحروب التي لم تتوقّف، وفي الحالة الفلسطينية المكابِرة يبدو نادراً الموت الطبيعي للقادة، بل قليل ويكاد لا يذكر، وفي ثوراتهم كلّ من تكرّس قائداً سقط في أرض المعركة سياسياً أو إعلامياً أو محارباً، ووفق الأدبيات الفلسطينية في زمن القضية والثورة والمقاومة، فإنّ المكابرة بإنكار التأثير الفادح لغياب القادة هي حاجة تعبوية لإبعاد شبح اليأس والانكسار عن المحاربين وحاضناتهم الشعبية، غير أنّ ذلك على أهمّيته وأساسيّته لا يلغي حقيقة التأثير السلبي لغياب القادة الكبار المجرّبين والمميّزين، غير أنّ هذا التأثير ومهما تعاظم يظلّ غير حاسم في فاعليّته السلبية، أمام اليقين المتعمّق والمتجدّد في نفوس الفلسطينيين بأن لا حياة مع اليأس والاستسلام، وهذا ما أبقى القضية العادلة على قيد الحياة عقوداً طويلة من الزمن حفلت بقوافل الشهداء من مختلف المراتب وستبقى.

إقرأ أيضاً: مقتل السّنوار.. صدفةٌ أم اغتيالٌ للمفاوضات؟

غياب السنوار موجع ومؤثّر، لكنّ الحياة تمضي في مساراتها، وحياة الفلسطينيين مقترنة بحلم أقوى من الحقيقة هو حتمية بلوغ الحرّية والاستقلال مهما كان الثمن.

مواضيع ذات صلة

قُتل في طهران قبل أن يموت في غزّة

اجتاح، أمس الأول الخميس، خبر مقتل يحيى السنوار كالصاعقة كلّ منصّات الأخبار في العالم. الحدث عاجل صادم، لكنّه، للمفارقة، غير مفاجئ. جاء بعد سلسلة اغتيالات…

قواعد اللّعبة بعد السنوار: لا تغيير إسرائيليّاً ولا إيرانيّاً؟

ما بعد إسقاط يحيى السنوار في 17 تشرين الأول، غير ما قبله. تماماً مثلما كان اغتيال السيد حسن نصرالله في 27 أيلول الماضي غير ما…

رسالة من بيروت إلى يحيى السّنوار..

هي رسالة نرسلها من بيروت إلى غزة، من مدينة قلقة على غدها من أن يكون مصيرها الدمار، إلى مدينة مدمّرة لم يعد فيها ما يستحقّ…

وصيّة السّيّد للسّياديّين!

مضت على هذه الأحداث 20 سنة كاملة. لكنّها تتكرّر اليوم بأدقّ تفاصيلها، مع تبديل بسيط في بعض اللاعبين خارجياً، وبقاء الكثير من الوقائع والسياقات، وحتى…