أميركا تفاوض إيران: وقف إطلاق النّار… يمنع الرّدّ؟

مدة القراءة 9 د

لم يسبق في العقديْن الأخيريْن أن حشدَت الولايات المُتحدة هذا العدد من حاملات الطائرات والمُدمّرات والغوّاصات والطائرات القتالية والهجوميّة والاستطلاعيّة منذ غزو العراق عام 2003. العنوان الظّاهر لهذه القوّة الضّاربة أنّها لـ”ردع إيران والحزب” عن مُهاجمة الكيان العبريّ. لكنّها في العمق رسالة ردعٍ لجميع أطراف الحرب بمن فيهم بنيامين نتنياهو. والأهمّ أنّها أداة ضغط قصوى على طاولة المُفاوضات المُزمع عقدها الخميس في العاصمة القطريّة الدّوحة… الأكيد أنّ الزحمة الدبلوماسية الأميركية في المنطقة تسابق الاحتمالات العسكرية، وأنّه بات هناك على الطاولة سؤال أساسيّ: هل يضمن وقف إطلاق النار في غزّة من إيران والحزب عدم الردّ على اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر؟

 

زحمة القطعات العسكريّة الأميركية على شواطىء البحر الأبيض المتوسّط يُقابلها زخم دبلوماسيّ أميركيّ أيضاً في المنطقة. إذ أوفدَ الرّئيس الأميركيّ جو بايدن منسّق الشّرق الأوسط في مكتب الأمن القوميّ بريت ماكغورك إلى مصر وإسرائيل. كما أرسل موفده الخاصّ آموس هوكستين إلى خطّ لبنان – إسرائيل، وأوفد مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة (CIA) وليام بيرنز إلى قطر.

لم يسبق في العقديْن الأخيريْن أن حشدَت الولايات المُتحدة هذا العدد من حاملات الطائرات والمُدمّرات والغوّاصات والطائرات القتالية والهجوميّة والاستطلاعيّة منذ غزو العراق عام 2003

“زحمة” على خطّ طهران – واشنطن

في معلومات “أساس” أنّ بايدن بعث في الأسبوعيْن الماضيَيْن موفدين إلى سلطنة عُمان حيثُ عُقِدَ لقاءان مع وفدٍ إيرانيّ بحثَا في “خفض التصعيد” و”صفقة التبادل” بين إسرائيل وحركة حماس. وكذلك عُقِدَ لقاءٌ آخر في أروقة الأمم المُتحدة في نيويورك بين الأميركيين ومندوب إيران لدى الأمم المُتحدة سعيد إيرواني للهدف نفسه.

سمِعَ الأميركيّون من الإيرانيين في مسقط ونيويورك أنّ أولويّتهم هي ترسيخ وقفٍ لإطلاق النّار في غزّة، وأنّ طهران “لن تُفاوض عن حركة حماس، وستقبل بما تقبل به الحركة”. كما لم يُجِب الإيرانيّون صراحةً عن إمكان أن يوقف إطلاق النّار في غزّة أيّ عمل انتقاميّ تنوي طهران وحارة حريك القيام به. لكنّهم قالوا للأميركيين إنّ وقف إطلاق النّار سيُساهم في وقف التصعيد على الجبهات الأخرى، من جنوب لبنان إلى البحر الأحمر.

علِمَ “أساس” أنّ بايدن بعث في الأسبوعيْن الماضيَيْن موفدين إلى سلطنة عُمان حيثُ عُقِدَ لقاءان مع وفدٍ إيرانيّ بحثَا في “خفض التصعيد” و”صفقة التبادل” بين إسرائيل وحركة حماس

أردوغان على خط التهدئة..

في المُقابل حذّر الأميركيّون الإيرانيين من أنّ أيّ ضربة أو خطأ في الحسابات مع إسرائيل سيدفع الأخيرة للرّدّ بقوّة في عمق إيران. وهذا من شأنه أن يستجلِبَ ضربةً إيرانيّة أخرى تُقابلها ضربة إسرائيليّة جديدة، وهو ما يُعطي نتنياهو سبباً للقول إنّ “اليهود يتعرّضون لهولوكوست جديدة” على يدِ إيران وأذرعها في وقتٍ حسّاسٍ يقترب فيه موعد الانتخابات الأميركيّة.

بين مسقط ونيويورك، كانَت الدّوحة وأنقرة تنشطان أيضاً على خطّ واشنطن – طهران. إذ تكشف معلومات “أساس” أنّ رئيس جهاز أمن الدّولة القطريّ عبدالله الخليفي زارَ إيران في الأيّام القليلة الماضية والتقى رئيس مكتب الأمن القومي علي أكبر أحمديان. كذلكَ تمّ رصد زيارة بعيدة عن الإعلام قام بها رئيس الاستخبارات في تركيا إبراهيم قالن لطهران، بعد طلب الرّئيس الأميركيّ جو بايدن من نظيره التّركيّ رجب طيّب إردوغان نقل رسائل أميركيّة إلى إيران عن ضرورة “خفض التّوتّر في المنطقة”، وذلك بحسب ما نقل مصدر دبلوماسي إقليمي لـ”أساس”.

تعتبر إيران أنّ اغتيال إسماعيل هنيّة في قلب عاصمتها ضربةً موجعة. وهي تتعامل من هذا المُنطلق. لكنّ المصادر تشير إلى أنّ إيران لم تُغلق باب الدّبلوماسيّة.

طريق طهران – بيروت مهدّد بالإغلاق..

تعتبر إيران أنّ اغتيال إسماعيل هنيّة في قلب عاصمتها ضربةً موجعة. وهي تتعامل من هذا المُنطلق. لكنّ المصادر تشير إلى أنّ إيران لم تُغلق باب الدّبلوماسيّة. وتُحاول كالعادة استغلال الموقف لتحصيل ما أمكن من مكاسب سياسيّة. كما أنّ إيران تعمّدَت الإطالة في تأخير ردّها على إسرائيل في انتظار اكتمال الدّفاعات الأميركيّة – الغربيّة، وذلك لئلّا تُلحق الصّواريخ والمُسيّرات ضرراً كبيراً في العُمق الإسرائيليّ.

تحبكُ طهران ردّها بهدوء في إطار سياسة “الذّبح بالقطنة”، كما وصفها الأمين العام للحزب خلال كلمته التي ألقاها في ذكرى أسبوع القائد العسكريّ فؤاد شُكر الذي اغتالته إسرائيل في ضاحية بيروت الجنوبيّة أواخر تمّوز الماضي.

عبرت قبل أيّام مجموعات صغيرة من ميليشيات “قسد” من شرق الفرات إلى غربه بمواكبةٍ جويّة أميركيّة من طائرات F22، ثمّ عادت إلى قواعدها

تتروّى إيران في ردّها خشية أمريْن:

الأوّل: أن تتوسّع الحرب وتتلقّى ضربةً إسرائيليّة مُدمّرة لمشروعها النّوويّ.

الثّاني: أن تفقدَ دورها الذي فوّضته إليها الولايات المُتحدة ضمناً بعد الاتفاق النّوويّ 2015، ويتمثّل في أن تكون شرطيّ المنطقة.

من هذا المُنطلق يُمكنُ استخلاص إصرار إيران على “المشاغبة” في البحر الأحمر، وفي اتجاه القواعد الأميركيّة في سوريا والعراق.

المشاغبة الإيرانيّة قابلتها رسالة أميركيّة ميدانيّة تُعتبر الأكثر خطورة والأكثر أهميّة وتجلّت في السّاحة السّوريّة، حيثُ عبرت قبل أيّام مجموعات صغيرة من ميليشيات “قسد” من شرق الفرات إلى غربه بمواكبةٍ جويّة أميركيّة من طائرات F22، ثمّ عادت إلى قواعدها.

المهمّ في هذه الرّسالة الميدانيّة أنّ واشنطن تقول لطهران إنّ توسّع الحرب في المنطقة سيُقابله فوراً قطع طريق طهران – بيروت عبر نقطة البوكمال على الحدود العراقيّة – السّوريّة.

مصدر أميركيّ في مكتب الأمن القومي لـ”أساس”: الجانب المصريّ يُصرّ على رفض أن تُدير إسرائيل معبر رفح، ويرفض بقاء الجيش الإسرائيليّ في “محور فيلادلفي”

مصر تريد استعادة معبر رفح

المجريات الميدانيّة كانت تُقابلها جولات مكّوكيّة أميركيّة. يصلُ بريت ماكغورك إلى العاصمة المصريّة القاهرة للقاء رئيس هيئة الاستخبارات العامّة اللواء عبّاس كامل ومسؤول الملفّ الفلسطيني اللواء أحمد عبد الخالق.

يقول مصدر أميركيّ في مكتب الأمن القومي لـ”أساس” إنّ الجانب المصريّ يُصرّ على رفض أن تُدير إسرائيل معبر رفح، ويرفض بقاء الجيش الإسرائيليّ في “محور فيلادلفي”، الأمر الذي تعتبره القاهرة خرقاً لاتفاق سابق بين الجانبيْن أُبرِمَ في 2005.

بحسب المصدر يحمل ماكغورك تصوّراً أميركيّاً حولَ تمويل مشروع أمنيّ للمحور ومعبر رفح يشمل تركيب مجسّات وأجهزة استشعار تُصدرُ إشعاراً فوريّاً في حال كانت هناك محاولة تهريب أو حفرٍ لأنفاق تحت الأرض. يُصرّ المصريّون أن تكونَ لديهم الأولويّة في الإشعارات أوّلاً، ثمّ بعد فترة زمنيّة (يُتّفق عليها لاحقاً) تصلُ إلى الجانب الإسرائيليّ.

بحسب المصدر، تولّى اللواء أحمد عبد الخالق التّواصل مع قيادة “حماس” لتسهيل إدارة معبر رفح من أفرادٍ وضبّاطٍ محسوبين على السّلطة الفلسطينيّة

كما كانت القاهرة أبلغت الأميركيين وفداً إسرائيليّاً زارَ مصر قبل مطلع الشّهر الحاليّ رفضها المشروع الإسرائيليّ الذي يهدف لبناء جدار فولاذي على طول 14 كلم، وأنّ القاهرة لا تُمانع أن تُدير السّلطة الفلسطينيّة المعبر من الجهة الرّسميّة، لكنّها لن تقبل تحت أيّ ظرف أن يعملَ تحت الإدارة الإسرائيليّة.

بحسب المصدر، تولّى اللواء أحمد عبد الخالق التّواصل مع قيادة “حماس” لتسهيل إدارة معبر رفح من أفرادٍ وضبّاطٍ محسوبين على السّلطة الفلسطينيّة. وكانَ جواب حماس أنّ أولويّتها أن يكونَ المعبر تحتَ السّيادة الفلسطينيّة، وأنّ كلّ أمرٍ دونَ هذا تفاصيلٌ قابلة للنّقاش.

فلسطين “مفتاح انتخابيّ” لكامالا هاريس

عودة الزّخم الأميركيّ إلى خطّ وقف إطلاق النّار مردّه إلى استطلاعات الرأي التي تُظهر أنّ الدّيمقراطيين استطاعوا تحسين وضعهم الانتخابيّ في وجه المرشّح الجمهوريّ دونالد ترامب بعد ترشيح كامالا هاريس. وتُعتبر أزمة الشّرق الأوسط مفتاحاً أساسيّاً للديمقراطيين لاستقطاب أصوات العرب والمسلمين والنّاخبين اليهود على حدٍّ سواء. إذ كانَت الجهود الأميركيّة خفّت بعد حالة عدم اليقين التي مرّ بها الدّيمقراطيّون قبل وبعد انسحاب بايدن من السّباق الانتخابيّ.

تهدفُ زيارة ماكغورك إلى محاولة تقليص الخلافات بين حماس وإسرائيل قبل “جلسة 15 آب” التي ستُعقد في الدّوحة. يقول مصدر دبلوماسيّ عربيّ لـ”أساس” إنّ حركة حماس لا تُشاركُ أساساً في الاجتماعات الرّباعيّة التي عُقِدَت في باريس والدّوحة في أوقات سابقة، ذلكَ أنّ الحركة تُفاوض الإسرائيليين والأميركيين بشكلٍ غير مباشر.

تهدفُ زيارة ماكغورك إلى محاولة تقليص الخلافات بين حماس وإسرائيل قبل “جلسة 15 آب” التي ستُعقد في الدّوحة

يعتبر المصدر أنّ الأجواء “ليست سلبيّة ولا إيجابيّة”. فالجانبان “الحمساويّ” و”الإسرائيليّ” يقومان بخطوات يعتقدان أنّها تُحسّن شروط التفاوض. إذ كانت حماس قد أصدرت بياناً طلب أن يكونَ المُقترح على الطّاولة، وهو ما أعلنَ عنه الرّئيس الأميركيّ جو بايدن ونالَ موافقة مجلس الأمن الدّوليّ.

نتنياهو ليس مستعجلاً…

أمّا الجانب الإسرائيليّ فمارس الضّغوط أيضاً بزيادة المجازر ضدّ المدنيين في غزّة. كما أنّ نتنياهو لم يقبل أن يوسِّعَ صلاحيات الوفد المفاوض، في محاولة منه للقول إنّه ليسَ مستعجلاً ما دامت حماس كذلك.

يدخل في هذا الإطار أيضاً ما كشفه النّاطق باسم كتائب القسّام “أبو عبيدة” عن مقتل أسيرٍ وجرح 2 بعد إطلاق نارٍ عليهم من قبل مُجنّدين موكلين بحمايتهم. تُريد حماس أن تضغط في هذا الموضوع على الدّاخل الإسرائيلي عبر الإيحاء أنّ إطالة الحرب قد تدفع عناصرها لفقد الانضباط والانصياع للقيادة، وهو ما يُهدّد حياة الأسرى.

إقرأ أيضاً: إيران تفشل في حشد التّغطية الإسلامية لردّها.. وأذرعها مرتبكة

لا تُبنى الكثير من الآمال على جلسة اليوم. لكنّ الأكيد أنّ رئيس حركة “حماس” يحيى السّنوار يُريد وقفاً لإطلاق النّار بشروطه. ونتنياهو هو الآخر يُريد الأمر نفسه لكن بشروطه. وبين انتظار ردّ إيران والحزب الذي تستعمله حماس في التّفاوض أيضاً، ومماطلة نتنياهو وصراعه مع الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة ووفده المفاوض، قد تنفجر طاولة الدوحة ومعها المنطقة برمّتها.

لمتابعة الكاتب على X:

@IbrahimRihan2

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…