مفاوضات الدّوحة جائزة ترضية لبايدن

مدة القراءة 4 د

بعد مكالمة وُصفت بأنّها “إيجابية”، قرّر رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو إرسال وفده إلى الدوحة لاستئناف مفاوضات الهدنة والتبادل التي يحتاج إليها الرئيس الجريح جو بايدن، لعلّها ترمّم بعضاً من التصدّع الهائل الذي اعترى حملته الانتخابية بفعل سوء أدائه في المناظرة الأولى التي تفوّق فيها المرشّح الغوغائي دونالد ترامب عليه… فهل تكون هذه المفاوضات جائزة ترضية لبايدن ليستعيد أنفاسه في السباق الرئاسي؟

كان رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو قد دخل الحملة الانتخابية ضدّ جو بايدن من خلال ما سُمّي بـ”حملة الفيديو”. وذلك عندما نشر فيديو يتّهم فيه الإدارة الأميركية بحجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل. وقد أغضب الفيديو بايدن، فألغى اجتماعاً أميركياً إسرائيلياً رفيع المستوى بين البلدين.

أثار الفيديو حفيظة الديمقراطيين الذين لم يقلقوا فقط منه، بل من الخطاب الذي سيلقيه نتنياهو في الكونغرس نهاية شهر تموز. ويقدّرون أنّه سوف يصبّ زيتاً إسرائيلياً على النار التي أشعلها الجمهوريون في جسد الديمقراطيين.

قرّر نتنياهو إرسال وفده إلى الدوحة لاستئناف مفاوضات الهدنة والتبادل التي يحتاج إليها الرئيس الجريح جو بايدن

لماذا أرسل نتنياهو وفداً إلى الدّوحة؟

نتنياهو أرسل وفده إلى الدوحة ليس كمؤشّر إلى استعداده لإتمام الصفقة وإنّما كجزء من لعبة شراء الوقت. فهو من جهة يرضي بايدن بجزئية إرسال الوفد بعد تمنّع طويل، ويرضي أجندته بإطالة أمد الحرب حتى لو خفّض وتيرتها باعتماد الذهاب إلى أهداف انتقائية بدلاً من الإفراط في التدمير العشوائي والقتل الجماعي. وبذلك يكون حقّق هدفاً مزدوجاً. فهو ما يزال إلى أمد غير مسمّى صاحب القرار الأوّل والأخير في إسرائيل، وهذه أولويّته التي لا يتنازل عنها. وما يزال أيضاً المحاور المعتمد في واشنطن التي قد تفتح أبواب البيت الأبيض بعد إغلاق طويل الأمد.

معادلة نتنياهو تفرض نفسها على جميع الأطراف المباشرة وغير المباشرة في لعبة النار المشتعلة جنوباً وشمالاً. وما يعنيه أساساً في هذه الفترة بالذات هو جرّ الإدارة الأميركية وراء قاطرته. وها هو ينجح في ذلك من خلال التكيّف الأميركي مع قراراته وخططه. فها هي الدبلوماسيّة الأميركية تعمل في مجال توفير الوقت الثمين له على جبهة غزة، وتعمل أيضاً على الجبهة الشمالية وفق معادلته: “ما لا يتحقّق له بالحرب فقد يتحقّق بالدبلوماسية الأميركية”.

لقد حصل على تعهّد أميركي “كتحصيل حاصل” بأن يحظى بالدعم إذا ما وقعت الحرب على الجبهة الشمالية.

نتنياهو أرسل وفده إلى الدوحة ليس كمؤشّر إلى استعداده لإتمام الصفقة وإنّما كجزء من لعبة شراء الوقت

نتنياهو مرتاح: وضعه ليس خطيراً بعد

نتنياهو الذي يدرك حجم الضغوط الداخلية عليه من قبل ذوي الأسرى المحتجزين في غزة، ويدرك أيضاً مغزى تعاظم التظاهرات الداعية إلى إجراء انتخابات مبكرة ربّما تؤدّي إلى الإطاحة به، يدرك بالمقابل أنّ هذه الضغوط لم تصل بعد إلى مرحلة الخطر، وأمانه في هذه الحالة ضعف منافسيه من داخل حزبه ومن خارجه، واضطرار الإدارة الأميركية إلى مسايرة أجنداته، بما يعني الخضوع لها، وخصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي تسبق الانتخابات الوشيكة. وحين يخوض رجل في حالته معركة وجود ومصير فلا خطوط حمر أميركية أو داخلية تحدّ من مجازفاته السياسة والحربية. فهو لا يقامر برصيده كزعيم حزب أو ائتلاف أو اتّجاه، بل يقامر بإسرائيل بكلّ ما لديها من إمكانات وعلاقات وتحالفات. فالرجل يمتلئ يقيناً بأنّ وجوده على رأس الحكومة أهمّ بكثير من وجود الدولة من دون رئاسته.

لقد برهن خلال حرب الأشهر التسعة على الجبهتين الشمالية والجنوبية عن جاهزيّة من جانبه للتضحية بالرهائن جميعاً إذا ما تطلّبت مواصلة الحرب ذلك. وهو غير آبه باحتجاجات “رهائن الحزب في المستوطنات الشمالية” الذين يرغبون في دخول المدارس في الفصل المقبل وقد تخلّصوا من الخطر إلى الأبد.

إقرأ أيضاً: سقط بايدن… فاستقبل الحزب وساطة ألمانيّة

يعتبر ذلك مجرّد ترفٍ يمكن التخلّي عنه ما دام يعبّئ إسرائيل بفكرة أنّها تخوض حرباً مصيرية تحتاج إلى تضحيات الجميع.

ربّما يقبل نتنياهو بصفقة جزئية تنتجها مفاوضات الدوحة الحالية، لكنّ شرطه الأعمق الذي لا تراجع عنه أن تستمرّ الحرب إلى أجل غير مسمّى لعلّها تحمل له مفاجآت سارّة تنعش آماله بولاية جديدة.

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…