فرنجية للودريان: أنا وفريقي وباسيل نختار “الثالث”

مدة القراءة 5 د

لم يكن متوقعاً أن يقوم موفد الدبلوماسية الفرنسية الرئاسي بالعجائب في لبنان. إنّما ما وُضع أمامه وأمام السفيرة الأميركية ليزا جونسون قبله في عين التينة لا يعبّر إلّا عن استعصاء. إذ وجد الدبلوماسيون أنفسهم أمام طبقة سياسية متخصّصة بنصب الفِخاخ من خلال تقديم نفسها متعاونةً ومنفتحةً على حلّ الأزمة الرئاسية. في الخلاصة لم يحن بعد التوقيت الذي يناسب من يمسك بالسلطة في لبنان لانتخاب رئيس. وما قاله الأمين العامّ للحزب السيد حسن نصرالله عن فصل الرئاسة عن الحدود في أحد خطاباته، لم يكن سوى نتيجة خطأ في الحسابات نتج يومها عمّا تضمّنته زيارة هوكستين الأولى من إيحاءات بمقايضة سياسية. أما وقد ظهر أنّ هوكستين ليس معنيّاً بالرئاسة، تغيّرت حسابات الحزب فباتت الرئاسة أسيرة حرب غزّة كما هي الحدود. وعليه، ينتظر لبنان شهراً مصيريّاً، في حال فشل التوصّل إلى تسوية من غزة إلى لبنان في مطلع الصيف، وسيكون علينا أن نربط الأحزمة لموسم حارّ سياسياً وأمنيّاً.

 

الحزب: غزّة أوّلاً ثمّ الحدود ثمّ الرّئاسة

نجح الحزب في فرض وحدة المسارات الأمنيّة بين غزة ولبنان، رابطاً معه الرئاسة اللبنانية. في جولة لودريان على عين التينة وحارة حريك والأشرفية حيث التقى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، كان الجواب واضحاً. لا انسحاب لمصلحة الخيار الثالث، ولحوارٍ وطنيّ يرأسه الرئيس بري. هاتان الثابتتان ألقى بهما هذا الفريق مدركاً أنّهما إشكاليّتان تمنعان انتخاب الرئيس. في عمق موقف الحزب، لا شيء يتقدّم على حرب غزة. بانتظار التسوية على طاولة سعودية أو أميركية. ليس مستعجلاً لتقديم الرئاسة قبل الحدود لأنّها لا تشكّل ضمانة لاتفاق يرضيه. بل إنّ المسار، الذي يشكّل الضمانة الدولية والداخلية، كما يراه الحزب، ينطلق من:

– نجاح المساعي للوصول إلى وقف إطلاق نار في غزة.

–  بعدها وقف إطلاق نار في الجبهة الجنوبية.

الحزب في لبنان مأزوم بلا حاضنة شعبية لحربه. ولكنّه مدعوم بكلّ أجهزة الدولة ومؤسّساتها

– وصول هوكستين والاتفاق على خطوط الترسيم البرّي ثمّ انتخاب رئيس توافقي.

أمّا إذا أراد المجتمع الدولي أن يتقدّم الاستحقاق الرئاسي هذه الاستحقاقات فالحزب سيتمسّك بسليمان فرنجية رئيساً.

فرنجيّة للودريان: لتعديل الدستور ولينتخب الشعب

موقف الثنائي عُبِّر عنه في بيانات علنية. أمّا ما جرى في لقاء لودريان وفرنجية فهو حديث آخر.

فرنجية

في معلومات “أساس” أنّ فرنجية أكّد استمرار ترشّحه معتبراً أنّه يحظى بدعم نيابي وسياسي، قائلاً أمام لودريان إنّه بدل الذهاب إلى خيار ثالث يختاره فريقه السياسي بالشراكة مع الخصوم، الحريّ بهم اختيار خيارهم الثالث وحدهم على أن ينضمّ إليهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وفق حسابات فرنجية، لماذا عليه أن يتنازل قبل انتهاء حرب غزة، فهو يعتبر أنّه يستطيع أن يحصد “انتصار” الحزب بعدها، لترجمته في الرئاسة عبره أو عبر خيار ثالث يختاره الفريق المنتصر ويختار معه رئيس الحكومة أيضاً؟ لم يكتفِ فرنجية بهذا الطرح أمام لودريان، بل امتدّ طرحه إلى المطالبة بتعديل دستوري ولو لمرّة واحدة يسمح بانتخاب رئيس مباشرة من الشعب “ليظهر من هو المرشّح الذي يتمتّع بحيثية وطنية”، كما طالب فرنجية لودريان بعودة فرنسا إلى مبادرتها الأولى.

آخر الدواء الكيّ: احكموا وحدكم !

خرج لودريان خائب الظنّ متسائلاً كيف للّبنانيين أن لا يدركوا أخيراً أن لا “انتصارات إن صحّ التعبير في الأساس” ستُترجم في الداخل لأكثر من سبب، أوّلها موقف الإقليم وموازين القوى التي لن تسمح بكسر أحد. وبحسب مصادر دبلوماسية، كيف يمكن لفريق الممانعة أن يظنّ أنّه يستطيع أن يحكم وحيداً بلداً منهاراً مفلساً مقبلاً على أكثر من انفجار؟ في أيّ قاموس يقرأون؟ يسأل مصدر دبلوماسي ساخراً من طبقة سياسية تظنّ أنّ مشاغل العالم ستتوقّف من أجل تسوياتها. ففي لحظة قريبة سيفقد العالم اهتمامه بهذه البقعة الصغيرة ليذهب إلى انشغالاته، ولبنان يبقى غارقاً في أزمته الداخلية وحربه مع إسرائيل.

خرج لودريان خائب الظنّ متسائلاً كيف للّبنانيين أن لا يدركوا أخيراً أن لا “انتصارات إن صحّ التعبير في الأساس”

مآزق الحزب ونتنياهو وبايدن: تسوية أم حرب؟

السفيرة الأميركية ليزا جونسون عبّرت أيضاً في لقائها مع الرئيس نبيه بري في عين التينة عن خشية حقيقية من توسّع الحرب في جنوب لبنان. فعلى الرغم من أنّ ذلك ليس في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما مصلحة المرشح بايدن على أبواب الرئاسة، إلا أنّ واشنطن لا تستطيع أن تمنع نتنياهو من توسيع الحرب. وبالتالي تسعى حالياً في سباق مع الوقت إلى أن تفرض تسوية توقف فيها حرب غزة لفرض استقرار يخوّلها الذهاب إلى انتخاباتها. من جهته، نتنياهو المأزوم يهرب إلى الأمام. لا شيء يخسره، لا سيما أنّ مزاج إسرائيل تغيّر. فقد أصبحت قادرة على تحمّل الخسائر، وبالتالي يأمل نتنياهو أن يصبح الأسطورة التي أنهت تهديد إسرائيل، ولن يمنعه شيء من ضرب لبنان تلبية لإرادة المستوطنين العودة إلى منازلهم.

إقرأ أيضاً: لودريان ومعاييره في بيروت: ساعة الصّفر

الحزب في لبنان مأزوم بلا حاضنة شعبية لحربه. ولكنّه مدعوم بكلّ أجهزة الدولة ومؤسّساتها. أمّا في حال الحرب فلن يستطيع أن يمنع الاشتباك الداخلي الذي قد يتطوّر إلى ما هو أخطر.

يبدو هذا المشهد واضحاً لكلّ القوى الدولية الحاضرة في الملفّ اللبناني. قال وزير خارجية فرنسا بالأمس إنّ الدبلوماسية الفرنسية ستبذل جهدها لتجنّب تصعيد القتال. في قمّة باريس سيكون الملفّ اللبناني حاضراً بقوّة في ما يتّصل بالمسار الذي سيسلكه البلد. ما علينا إلا أن نترقّب مطلع هذا الصيف ونربط الأحزمة.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@josephinedeeb

مواضيع ذات صلة

دمشق – القامشلي: اتّفاق على استمرار الحوار

بعد اجتماعاته في لبنان وتصريحاته التي حثّت المسؤولين اللبنانيّين على اقتناص الفرصة وحسم أمرهم واتّخاذ القرار في شأن تسليم سلاح “الحزب”، غادر المبعوث الأميركي توم…

نافذة “عين التينة” بين بارّاك و”الحزب”… والحسم مؤجّل

صحيح أنّ توم بارّاك لم يبخل على اللبنانيّين بالمواقف والإيضاحات والشروحات، لكنّه نجح في إخفاء الحقيقة المجرّدة من مُخمليّة الدبلوماسية: حقيقة ما أبلغه للسلطة اللبنانية…

جعجع لعون: بلا تكاذب بلا مسايرة!

بغضّ النظر عمّا ستحمله زيارة الموفد الأميركي توماس بارّاك المرتقبة للبنان، بدأت “أزمة السلاح” المُطوّقة بضغوط خارجية كبيرة، والمُحمّلة بدفاتر شروط قاسية، “تتلَبْنن” بقوّة دفع…

واشنطن للبنان: لا مماطلة بعد اليوم… بانتظار نتنياهو بعد غزّة

أصبح اتّفاق غزّة قاب قوسين من التحقّق، وورقة الأسرى لن تصبح فقط من الماضي، بل سيستخدمها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تعزيز نظريّته عن…