طلّاب أميركا يُحدثون فارقاً تتنازعه إسرائيل وانتخابات الرئاسة؟

مدة القراءة 7 د

تحرّكات طلاب الجامعات الأميركية الاحتجاجية ضدّ الحرب على غزة وقمعها قد لا تعدّل في موقف جو بايدن الداعم لإسرائيل. لكنّها تؤثّر في تكتيكاته الانتخابية. وهي فعلت فعلها حتى في تصريحات منافسه الذي يتقدّم عليه، دونالد ترامب. فالأخير اضطرّ إلى انتقاد بنيامين نتنياهو.

من الطبيعي أن تعلّق النخب العربية آمالاً على هذه التحرّكات لتغيير موقف واشنطن من إسرائيل بعد مجازر غزة. لكنّ بين النخب من يدعو إلى التروّي ورصد ردود الفعل المناوئة للاحتجاجات الطلابية أيضاً. فهناك “هجمة مضادّة” إسرائيلية لتعطيل مفاعيلها.

 

 

تستدعي الاحتجاجات الطلابية التي انتشرت في الجامعات العريقة في أميركا النظر إلى مدى تأثيرها في عنوانين: الانتخابات الرئاسية والموقف من إسرائيل.

تنقسم الآراء حول انعكاساتها على المشهد السياسي الداخلي وعلى الموقف من إسرائيل. ولكلّ حججه.

التّنافس الانتخابيّ

النخب الأميركية والغربية والعربية التي ترى فيها تحوّلاً في الرأي العام تعتقد أنّها ستراكم نتائج ذات مغزى:

– قمع الاحتجاجات الطلابية وإدخال الشرطة إلى حرم الجامعات لتفكيك الاعتصامات ارتدّ سلباً على الرئيس جو بايدن انتخابياً. فهو يقارع منافسه دونالد ترامب بحجّة أنّ تبوّؤه الرئاسة يقوّض الديمقراطية وحرّية التعبير. ثمّة من ذهب إلى حدّ القول إنّ بايدن سقط في الانتخابات الرئاسية لمجرّد دخول الشرطة الجامعات. وهو هاجم الطلاب لإرضاء الجمهور المؤيّد لإسرائيل. وبرز على مواقع التواصل الاجتماعي ترند التساؤل: إلى متى ستدفع أميركا ثمن انتخاب ترامب ثانية؟

– ترامب اضطرّ إلى انتقاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدما دعم إسرائيل بالمطلق، لاستمالة الغاضبين من الفظاعات في غزة. وهو اعتبر أنّ “هناك بعض الأشخاص الجيّدين جداً الذين يمكن أن يتولّوا منصب نتنياهو”. ولم يستبعد احتمال وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل لتوقف الحرب، “لكن إذا هاجمت إيران إسرائيل، فسنكون هناك”. مع ذلك أيّد فضّ الشرطة اعتصامات الطلاب.

تحرّكات طلاب الجامعات الأميركية الاحتجاجية ضدّ الحرب على غزة وقمعها قد لا تعدّل في موقف جو بايدن الداعم لإسرائيل. لكنّها تؤثّر في تكتيكاته الانتخابية

ما يفاخر به الأميركيّون

– أدّى استخدام أجهزة الأمن لفضّ الاعتصامات إلى توسّع النقاش بين الأميركيين حول مدى التزام الإدارة مبدأ حرّية التعبير والديمقراطية. لدى الرأي العام الأميركي تمسّك شديد بنصّ “التعديل الأوّل” للدستور (First amendment)، ويفاخرون بأنّه الأوّل عالمياً منذ 15 كانون الأول 1791. وهو ينصّ على “منع صياغة أيّ قوانين تحظر إنشاء ديانات، أو تعيق حرّية ممارسة الدين، أو تحدّ من حرّية التعبير”. ويمنع “التعدّي على حرّية الصحافة أو التدخّل في حقّ التجمّع السلمي أو منع تقديم التماس للحكومة للحصول على الإنصاف من المظالم”. يشتهر هذا النصّ في الوعي الأميركي بأنّه جزء من “وثيقة الحقوق” التي كرّست قيام الأمّة الأميركية الموحّدة بالنظام الفيدرالي. عبارة “التعديل الأوّل” أتت على لسان السجالات كافّة في الأسابيع الماضية.

الانقسام حول “معاداة الساميّة”

– الاحتجاجات تعمّق النقاش حول تعريف “معاداة السامية” الذي يستخدمه اللوبي الصهيوني إعلامياً وفي المؤسّسات الدستورية لشيطنة شعارات الطلاب المعتصمين. فبين هؤلاء يهود معادون للصهيونية ولمصادرة حقوق الفلسطينيين بأرضهم واستقلالهم. تهمة “معاداة السامية”، كأحد المحرّمات التي نشأت من المحرقة اليهودية، خاضعة للتشكيك إذا كانت بسبب انتقاد ممارسات دولة إسرائيل. وهذا يهزّ نجاح الصهيونية العالمية في تكريس التماثل بين رفض حروب الدولة العبرية ضدّ الفلسطينيين وبين معاداة السامية.

– هذا السجال سيرتدّ سلباً على إسرائيل في أميركا بعدما تنامى شعور الرأي العام بأنّ مؤيّديها يستخدمون رفض معاداة السامية من أجل انتهاك “حرّية التعبير”.

– الانقسام داخل كلّ من الجمهوريين والديمقراطيين حول مشروع قانون “وعي معاداة السامية”، الذي أقرّه مجلس النواب، وينظر فيه مجلس الشيوخ. ففي الحزبين نواب وشيوخ يعارضون المشروع، الذي سعى إلى إقراره اللوبي الصهيوني. وهذا يخلق سوابق في السياسة الأميركية تتعارض مع مبادئها.

المراهنون على حراك الجامعات يشبّهونه بما شهدته أميركا أواخر ستّينيات القرن الماضي وأدّى إلى وقف حرب فيتنام.

الاحتجاجات تعمّق النقاش حول تعريف “معاداة السامية” الذي يستخدمه اللوبي الصهيوني إعلامياً وفي المؤسّسات الدستورية لشيطنة شعارات الطلاب المعتصمين

المقاربة الأخرى: تحالفات اليسار وإضعاف الدّيمقرطيّ

مقابل المقاربة الآنفة المليئة بالتفاصيل، التي تراهن على تحوّلات ضدّ إسرائيل، تدعو نخب عربية إلى مواكبة اتّجاهات أميركية أخرى. وسط تقلّب مزاج الرأي العام وانقساماته التي يقرّ بها المؤيّدون لحراك الجامعات. فحرب فيتنام مسّت الشعب الأميركي مباشرة لأنّ جنوداً أميركيين كانوا يُقتلون. يتعلّق الأمر بموقف أكثر التباساً بالنسبة إلى غزة، حيث تختلط الفظاعات الإسرائيلية وتنامي السلبية حيال نتنياهو باعتبار “حماس” إرهابية… ويلفت الرأي الآخر إلى الآتي:

– من المبكر الحديث عن تحوّل جوهري في الرأي العام الأميركي حيال إسرائيل على الرغم من التبرّم من قيادتها. فاستناد حراك الجامعات إلى يسار الحزب الديمقراطي لا يلغي أنّ قضية فلسطين وغزة جزء من قضايا أخرى يثيرها هذا اليسار. وهي قضايا عليها خلافات داخل الحزب ومع الجمهوريين لا تعدّ ولا تحصى، لا سيما داخلياً.

– اليساريون تحالفوا لأجل غزة مع الجمهور اللاتيني والأميركيين من أصول عربية وإسلامية ومنظمات حقوقية من السود. وإزاء عطف بعض الأوساط على حراك الطلاب طرح الخصوم السؤال: “لماذا تُركوا يتمادون؟”.

– التضامن مع غزة أحدث وعياً للقضية، لكن تخلّلته ممارسات ركّز عليها الخصوم. منها ظهور هتافات “الموت لأميركا” في ديترويت، وإنزال علم أميركا في إحدى الجامعات لرفع علم فلسطين. وأبرزت وسائل إعلام وجود ناشطين من خارج الجامعات في بعضها. وفي حفل التخرّج في كاليفورنيا ردّ الجمهور على هتاف مجموعة طلابية “فلسطين حرّة”، بهتاف: USA …USA.

المراهنون على حراك الجامعات يشبّهونه بما شهدته أميركا أواخر ستّينيات القرن الماضي وأدّى إلى وقف حرب فيتنام

الحملة على قطر وإقفال “الجزيرة”

– الحملة التي أطلقها اللوبي الإسرائيلي ضدّ دولة قطر بتهمة رعايتها “حماس” ودعمها ماليّاً. هذا على الرغم من المعلومات التي تؤكّد بأنّ واشنطن طلبت منها استضافة الحركة وأنّ نتنياهو سهّل نقل الأموال إليها في غزة لإبقاء الانقسام الفلسطيني. اقترنت الحملة مع اتّهامات لقطر بتمويل احتجاجات الطلاب الإسلاميين في الجامعات للتعاون مع التيارات الطلابية في الحراك. ولا ينفصل قرار إسرائيل إقفال مكتب “الجزيرة” فيها عن الحملة ضدّ قطر والمحطة في أميركا.

– تمكّن أغنياء يهود أميركيون من تهديد تمويل جامعات تساهلت مع الطلاب المحتجّين، ومن استمالة وسائل إعلام. وهذا جعل إدارات تتشدّد مع الحراك الجامعي، مقابل مطالبة الطلاب في كولومبيا وغيرها بقطع العلاقة مع شركات تتعاون مع إسرائيل.

– لا يستبعد متابعون للحملة المضادّة في أميركا أن تلغي السلطات تأشيرات طلاب وناشطين من العرب والمسلمين في المرحلة المقبلة ردّاً على دورهم في الحراك.

– استطلاع “سي.إن.إن.” الأخير أظهر أنّ 71 في المئة لا يوافقون على أداء بايدن في حرب غزة، لكنّ 61 في المئة يرون رئاسته برمّتها فاشلة. في القضايا العامّة المؤثّرة في الانتخابات اعتبر 58 في المئة حماية الديمقراطية قضية مركزية. لكنّ 26 في المئة فقط أعطوا أهمّية لحرب غزة في السياسة الخارجية التي يهتمّ لها 33 في المئة. بينما حازت قضايا الهجرة والجريمة وحمل السلاح 48 في المئة، والرعاية الصحّية 43 في المئة، والإجهاض 42 في المئة…

– حراك الجامعات زاد في ضعف الديمقراطيين وانقساماتهم، والميل إلى رئاسة ترامب ما زال راجحاً.

إقرأ أيضاً: من يسمّي الرئيس الأميركي المقبل: الكارهون لترامب أم الغاضبون من بايدن؟

ترجّح المقاربة هذه، المخالفة لما ينتظره المتفائلون بالحراك الجامعي، أن تنتج عن استمرار التأييد الأميركي لإسرائيل انعكاسات في التحالفات والعلاقات الأميركية الشرق الأوسطية بعد الانتخابات… وللحديث صلة في ذلك.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…