في النهاية كلّنا على طريق القدس. شئنا أم أبينا. الذي خسر حياته في حمص. أو فقد أهله في حلب. أو دمّر منزله والأحياء المجاورة في حماه. الذي تحكمه الميليشيات والزعران في بغداد. أو ابن جنوب لبنان المشرّد في جهات لبنان بلا منزل أو مال. وابن غزّة الذي استيقظ، أو لم يستيقظ، على عدوان وحرب لم يستشره أحد في خوضهما. وابن صنعاء الذي أصيبت عائلته بالكوليرا.
كلّنا على طريق القدس. هذه منطقة تغلي، والذي يوقد نيرانها، ويرمينا وقوداً لها، لا يملك روايةً غير القدس، ينشدها في آذان الحطب.
هكذا يخدّر الساحر جمهوره. يغويهم بانتظار المفاجأة. فيجعلهم مسحورين وجاهزين لتصديق أيّ انقلاب مفاجىء في الأحداث.
هل يكذب الساحر؟ أم هي خدعٌ بصريّة مسموحٌ بها؟
نادراً ما أحبّ البشرُ شيئاً وأغواهم، أكثر من الرجال الذين يدّعون امتلاك قدراتٍ خارقة. من الأنبياء، مروراً بالزعماء، وليس انتهاءً بسوبرمان وسبايدرمان، والسحرة والكاذبين…
كلّنا على طريق القدس. “ولقد أبصرنا قدّامنا طريقاً فمشينا/ وسنبقى ماشين، شئنا هذا أم أبينا”. على ما ذهب إيليا أبو ماضي قبل 100 عام.
يذيّل الحزب بيانات نعيه لمقاتليه بأنّهم “ارتقوا على طريق القدس”.
وبالتالي، أليست تذاكر الذهاب إلى القدس، التي وزّعها قبل أيام، تحضّرنا لأيام سنرتقي خلالها كلّنا على هذه الطريق؟
ثمّة مدن سبقتنا إلى هناك. ولأسباب تكنولوجيّة، يمكننا أن نشاهد مستقبلنا مباشرة على هواء الفضائيات. آخر هذه المدن غزّة. قبلها إدلب وصنعاء والشام وحمص وحلب وحماه والقصير والزبداني والفالوجة… ثمّة مدن رفضت، منها البحرين والكويت. ومصر كانت وما تزال في خطر. والأردن يعاند.
كلّنا على طريق القدس. هذه منطقة تغلي، والذي يوقد نيرانها، ويرمينا وقوداً لها، لا يملك روايةً غير القدس، ينشدها في آذان الحطب
الأردن على طريق القدس
يريد خالد مشعل أن يركب الأردن القطار السريع إلى مصير لبنان وغزّة. هو الذي أعاده الملك حسين بن طلال من على باب قطار عزرائيل قبل عقود.
سافر القيادي في “حماس” إلى إيران. وحين عاد، دعا إلى “امتزاج الدم العربي في الشوارع العربية بالدم الفلسطيني”. وللأمانة هي دعوة صادقة وواضحة. لا إغواء فيها ولا إغراء ولا كذب. فهو يدعو أهل الأردن وغيره إلى وليمة الموت. إلى أن يسفكوا دماءهم بأنفسهم.
في لبنان الدعوة أكثر ذكاءً وحرفةً. فيها من السحر ما يلزم لإرسال الجمهور إلى “امتزاج الدم” وهو يظنّ أنّه ينتصر انتصاراً تاريخياً وأنّها نزهة ربيعية لطيفة، سنعود منها حاملين الغنائم ونقسّمها.
لكنّ الدعوتين تصدران عن مرجع واحد. كلّ قناة لها حقّ التنويع في النشر. الأمر متروك للمهارات الإعلامية والخطابية. ومشعل بليدُ الأفكار وضعيف الحيلة وفقيرُ الخيال.
تذاكر “روحة بلا رجعة“
الأرجح أنّها تذاكر باتّجاه واحد. “وان واي تيكيت”. “سترايت” إلى جنّة الخلد.
والأنكى أنّ المشاركة في الرحلة ليست اختياريّة بل إجبارية مدفوعة “التكاليف” من أرزاقنا وأعصابنا، وقريباً من أعمارنا.
إقرأ أيضاً: “إزالة غزّة”… في وداع خطاب “إزالة إسرائيل”
وإذا كان قطع التذاكر في طهران والضاحية، فإنّ عزرائيل هو الذي سينقش عليها ختم الرحلة الأبدية. ومع ذلك، إذا لم نعترض بشكل مؤثّر، وكبير، فكلّ ما نرجوه هو أن تكون الرحلة ممتعة. وأن تظلّ الفرقة الموسيقية تعزف، كما في رحلة التايتانيك الأخيرة، ونحنُ نذهب سريعاً إلى قاع المحيط، ببذلاتنا الأنيقة، على مقاعد “التاريخ”، بعزّةٍ وكرامةٍ وعنفوان.
لمتابعة الكاتب على X: