في سلسلة من الخطوات الرئاسية، يظهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشكل ملحوظ كشخصية مختلفة في وسائل الإعلام الغربية، خرج من زمن الانتقادات الشديدة في العناوين ليصبح رئيس دولة تحظى قراراته بالاحترام. يتجلّى هذا التحوّل من خلال رغبته في تعزيز روابط تركيا مع الغرب بعد فوزه بولاية جديدة، وقبول عضوية السويد في حلف الناتو، وفرض سيطرته على الإسلاميين في بلاده، وتوقيع اتفاقية عسكريّة مع الصومال تعود بالفائدة على الدول الغربية.
تتحوّل اتفاقية الصومال إلى نقطة تحوّل استراتيجي في توجّهات تركيا، حيث تعكس إرادتها تعزيز تأثيرها على الساحتين الإقليمية والدولية. ويرى مراقبون أنّ سياسة أنقرة تخوض طريقاً جديداً يعكس تقاربها مع الولايات المتحدة. يتزامن ذلك مع تصاعد الأزمة حول مذكّرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم صومالي لاند التي تمنح إثيوبيا إمكانية الوصول إلى الموانئ البحرية لتأسيس قاعدة بحريّة على أراضي الصومال.
وكانت مذكّرة التفاهم بين الإقليم الانفصالي صومالي لاند وإثيوبيا قد أثارت انتقادات الحكومة الفدرالية الصومالية ودفعت بالرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى زيارة أسمرة والقاهرة لعقد تحالفات بين إريتريا ومصر والصومال لتحدّي تصرّفات إثيوبيا، وفقاً لصحيفة “جوهر” الإثيوبية، الصادرة في السويد. ثمّ جاء التحرّك التركي العسكري مع الصومال كردّ على تصرّفات إثيوبيا بعد اتّجاه الأخيرة نحو الصين وروسيا، وتراجع مكانتها في الدائرة الأميركية. وتمنح اتفاقية الصومال أنقرة السيطرة على الموارد البحريّة للصومال وتكلّف الجيش التركي بتأمين الساحل الصومالي، وهو أحد أطول السواحل في إفريقيا.
يرسل التحرّك العسكري التركي رسالة إلى المجتمع الدولي حول استعداد تركيا لتحمّل المسؤوليات الإقليمية، مُؤكّداً قدرتها على التكيّف مع التحوّلات العالمية. من جهة أخرى، يسلّط الضوء على تداخل القرارات والتحالفات الدولية وتأثيرها على العلاقات بين تركيا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.
وتّرت موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الناتو العلاقات مع روسيا. بعد محاولة موسكو التعامل بهدوء مع الخطوة التركية
طعنة في ظهر روسيا
وتّرت موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الناتو العلاقات مع روسيا. بعد محاولة موسكو التعامل بهدوء مع الخطوة التركية، نقلت صحيفة “سامتيدن” السويدية في 2 شباط الماضي عن صحيفة صينية تُدعى “سوهو”، الموقف الصيني الذي يرى أنّ قرار تركيا مثّل طعنة في ظهر روسيا، خاصةً أنّ إردوغان كان قد أكّد لبوتين أنّ بلاده لن توافق على طلب السويد إلا بشرط تسليم ناشطين متورّطين في محاولة الانقلاب بتركيا عام 2016. وعلى الرغم من أنّ السويد لم تلبِّ هذا الشرط، إلا أنّ إردوغان وافق على طلب عضويّة السويد.
ووفقاً للصحيفة الصينية، تعتبر روسيا القرار التركي خيانةً وموقفاً متخاذلاً، وترى روسيا والصين أنّ تركيا قامت بالتخلّي عن وعودها ومبادئها مقابل التقارب مع الولايات المتحدة والحصول على طائرات F-16، وهو ما يبرز التحدّيات الجيوسياسية التي تواجه تركيا في مسعاها إلى تحقيق توازن بين التقارب مع الغرب والتعامل مع الشراكات الإقليمية.
التقارب مع القاهرة والتضييق على الإسلاميّين
تتجسّد التحوّلات في العلاقات التركية المصرية بوضوح بعد التقارب الأخير مع القاهرة، وذلك من أجل الأمن في البحر الأبيض المتوسط، حسب ما أعلنه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان. جاءت موافقة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على تسليم مسيّرات قتالية إلى مصر قبل زيارته للقاهرة في 14 شباط الماضي، نهاية فترة قطيعة دامت لسنوات مع مصر. وفي توازن مع جهود تحسين العلاقات مع القاهرة، ذُكر أنّ قيادات إخوانية غادرت الأراضي التركية خوفاً من تسليمهم للسلطات المصرية، إضافةً إلى وجود قرار تركي بسحب الجنسية من محمود حسين، القائم بعمل مرشد جماعة الإخوان، والمقيم في إسطنبول.
كان الإسلاميون في تركيا يُعتبرون ورقة ضغط من قبلها على أوروبا، خصوصاً أنّها كانت تسهم في إرسال مُعظم الأئمّة إلى مساجد أوروبا. ومع ذلك، شهدنا تطوّراً بارزاً قبل شهرين، حين أبرمت ألمانيا اتفاقية مع تركيا تقضي بتوقّف استقبالها للأئمّة الأجانب الذين ترسلهم تركيا، مُلزمةً بدلاً من ذلك بتدريب رجال دين مسلمين على أراضيها بهدف “تشجيع الاندماج”.
تتجسّد التحوّلات في العلاقات التركية المصرية بوضوح بعد التقارب الأخير مع القاهرة، وذلك من أجل الأمن في البحر الأبيض المتوسط
وعلى الرغم من مُناقشات وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي في كيفية وقف استقبال الأئمّة من تركيا وتدريبهم على القيم “الأوروبية”، إلا أنّ موافقة تركيا لم تتحقّق إلا أخيراً كجزء من جهود التقارب مع الدول الغربية.
إقرأ أيضاً: منتدى أنطاليا للدبلوماسية: لماذا يتردّد الغرب؟
يُبرز هذا التفاعل المستمرّ مع التحدّيات الإقليمية والدولية إرادة تركيا أن تكون لاعباً مؤثّراً في المشهد الدولي وفي صياغة مستقبل المنطقة. وعلى الرغم من تجاوزها لخطوط حمر مع شركائها التقليديين، فإنّ موقف موسكو وبكين يظلّ هادئاً، خاصةً أنّ بوتين يتبع سياسة النفس الطويل مع التحدّيات الإقليمية والدولية، بما في ذلك علاقته مع أنقرة.