لاهاي تعدّل في انحياز النخب الغربيّة الحاكمة لإسرائيل؟

مدة القراءة 7 د

هل تحفِّز محاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية في غزة دولاً على الادّعاء أمام محكمة العدل الدولية ضدّ أميركا ودول أوروبية لتسهيلها الجريمة بدعمها الدولة العبرية سياسياً وبالسلاح؟

تخضع إسرائيل هذا الأسبوع لمحاكمة غير مسبوقة في محكمة العدل الدولية، في وقت يشكّل إفشال مسوّدة باريس لصفقة تبادل الأسرى غطاءً لاستمرار الحرب.

ويترسّخ الاستعصاء الإسرائيلي حيال إصرار الدول العربية الرئيسة على إقامة الدولة الفلسطينية في أيّ مخرج للحرب. بموازاة ذلك يعجز الضغط العربي عن وقف المجزرة ضدّ الفلسطينيين.

52 دولة تفنّد ممارسات إسرائيل

بدأت أمس جلسات المحكمة للنظر بقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة طلب رأي المحكمة الاستشاري في ما يرتّبه الاحتلال الإسرائيلي قانونياً وعلى دول المنطقة. وهي مسألة مختلفة عن قرار المحكمة في 26 كانون الثاني الماضي، الذي يأمر إسرائيل “باتخاذ التدابير المؤقّتة لحماية الفلسطينيين ومنع الإبادة الجماعيّة في غزة”، بناء على دعوى جنوب إفريقيا. ثمّ عادت المحكمة في 16 الجاري وقرّرت أنّه “يتعيّن على إسرائيل احترام التدابير المطلوبة منها”، في ما يخصّ منطقة رفح.

إذا لم يطرأ تعديل على لائحة الدول التي ستدلي بدلوها بدءاً من أمس في لاهاي، ستستمع هيئة المحكمة لممثّلي 52 دولة، لتتحوّل قاعة أعلى سلطة قضائية في العالم، إلى منبر لتفنيد ممارسات الدولة العبرية تجاه الفلسطينيين، لمدّة أسبوع.

يعتقد كثرٌ أنّ المرافعات من قبل وكلاء الدول المعنيّة لن تأتي بالعدالة للشعب الفلسطيني، ولا الرأي الاستشاري الذي سيصدر عن المحكمة، إذا دان إسرائيل، طالما أنّها ضربت عرض الحائط بالقرارات الدولية منذ 70 سنة. لم تأخذ بقرار المحكمة عام 2004 ضدّ إقامة الجدار الفاصل في الضفة الغربية. كما أنّ أميركا وبعض دول الغرب تولّت حماية تمنُّع تل أبيب عن التزام القانون الدولي، لأنّ العدالة الدولية هي ملجأ الضعيف، والكلمة للأقوى. مع ذلك يعير بعض المسؤولين العرب أهميّة قصوى لصدور رأي المحكمة الاستشاري، ثمّ الأحكام، للأسباب الآتية:

تخضع إسرائيل هذا الأسبوع لمحاكمة غير مسبوقة في محكمة العدل الدولية، في وقت يشكّل إفشال مسوّدة باريس لصفقة تبادل الأسرى غطاءً لاستمرار الحرب

إسقاط زعم الدفاع عن النّفس

1- العديد من السياسيين العرب والأجانب اعتبروا استجابة المحكمة لدعوى جنوب إفريقيا ضدّ إسرائيل، خطوة متقدّمة. وزير خارجية عربي سابق يرى أنّها المرّة الأولى في تاريخ الصراع التي يعتبر فيها القانون الدولي أنّ هناك ما يكفي من الأدلّة للظنّ أنّ إسرائيل ترتكب أعمال إبادة جماعية. وهذا سيضعها في خانة المساءلة الدائمة.

2- تل أبيب أدركت سلبيات القرار غير المسبوق، فجاءت ردّة فعلها عصبية بالهجوم على المحكمة، بعد مطالبتها لها بتقديم إثباتات بأنّها تحول دون ارتكاب أفعال ترقى إلى الإبادة الجماعية وحمّلتها مسؤولية الحفاظ على الأدلّة المحتملة في هذا الشأن.

3- صحيح أنّ قضاة محكمة العدل مستقلّون، لكن يصعب تجاهل انتماء معظمهم لدول غربية أو موالية للغرب. فإمساك المحكمة بالقضية أسقط ادّعاء تل أبيب حقّها في الدفاع عن النفس الذي تسلّحت به هذه الدول… وهو ما يعني أنّ له نتائج سياسية.

تأثير الأحكام على النخب الغربيّة الحاكمة

4- إذا صدر حكم ضدّ إسرائيل، فسيوسّع مساحة الإدانة للدولة العبرية ضمن الرأي العامّ الغربي. سينعكس ذلك على النخب الحاكمة، المنحازة لها راهناً. ظهر هذا الانحياز بتعليق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على دعوى جنوب إفريقيا بأنّها “بلا أساس”. ومع أنّ ذلك لن يغيّر في دعم هذه النخب في المدى المنظور، فإنّ الجيل المقبل من النخب سيعدّل في سياسة بلدانها حيال إسرائيل.

الدعاوى أمام المحكمة الجنائيّة

5- إنّ هيئات قانونية في فرنسا وغيرها قرّرت رفع دعاوى محلّية ودولية بشأن المسؤولية القانونية لشركات أسلحة ومسؤولين أوروبيين لتصديرهم أسلحة إلى إسرائيل. التهمة أنّهم ساهموا في ارتكاب جرائم حرب وضدّ الإنسانية في الأراضي الفلسطينية. وعلى الرغم من أنّ دعاوى كهذه تُرفع أمام الجنائية الدولية لأنّها ليست بين دولة وأخرى، فإنّها تطلق موجة ضاغطة على النخب الحاكمة الداعمة لإسرائيل.

6- الأهمّ أنّ دولاً أيّدت جنوب إفريقيا ألمحت إلى إمكان رفعها دعاوى ضدّ الدول التي وفّرت لإسرائيل الإمكانات لارتكاب جرائم إبادة جماعية، بحيث تصبح شريكة لها. وهذا يضع الولايات المتحدة ودولاً أوروبية أمام المساءلة.

إذا صدر حكم ضدّ إسرائيل، فسيوسّع مساحة الإدانة للدولة العبرية ضمن الرأي العامّ الغربي

كيف ستردّ إسرائيل وما موقف العرب؟

هل تزيد إسرائيل مع أسبوع جلسات لاهاي التوغّل العسكري واستهداف المئات يومياً، للتغطية على مرافعات الدول التي ستدين ممارسات احتلالها، أم تخفض ضرباتها؟

تعتقد أوساط فلسطينية معنيّة بمخارج وقف الحرب أنّ ما يهمّ بنيامين نتنياهو استمرار الحرب، ويصرّ على مواصلة خطة اقتحام رفح. وهو لا يكترث لموقف الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي سعى لتجنّب نموّ الاعتراض الشعبي على دعم إدارته لحرب إسرائيل ضدّ غزة، في زمن التهيّؤ للحملة الانتخابية الرئاسية، إلى تظهير إصراره على حلّ الدولتين. اتّخذت حكومة نتنياهو بالإجماع قراراً ستحوّله إلى قانون عبر الكنيست يرفض إقامة دولة فلسطينية ويربط أيّ حلّ بالمفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، التي أتقن نسفها على مدى 20 سنة.

لكنّ السؤال الأكثر إلحاحاً وسط النخب العربية، قبل وبالتزامن مع وضع محكمة العدل يدها على القضية الفلسطينية: ماذا ستفعل الدول العربية التي يتّهمها بعض الفلسطينيين بالغياب عن جهود الحلول للحرب؟

إسرائيل

الدول العربيّة ليست غائبة: فرصة للتشدّد بحلّ الدولتين

تقول أوساط دبلوماسية لـ”أساس” إنّ الدول العربية ليست غائبة عن مشاريع الحلول المطروحة. وتؤيّدها في ذلك مصادر فلسطينية مستقلّة تواكب الاتصالات العربية الأميركية لبلورة مشروع للحلّ يقوم على خطّة من عدّة مراحل مع جدول زمني نشرت جريدة “واشنطن بوست” الأميركية تقريراً عنه في 14 شباط.

بات معروفاً ما نسبته الصحيفة لمسؤولين أميركيين من أنّ الخطة بحثتها واشنطن مع كلّ من مصر وقطر والأردن والسعودية والإمارات ومنظمة التحرير الفلسطينية. وهي الدول التي اجتمع وزراء خارجيّتها وممثّل منظمة التحرير في الرياض في الثامن من شباط بدعوة من الوزير السعودي الأمير فيصل بن فرحان.

إنّ هيئات قانونية في فرنسا وغيرها قرّرت رفع دعاوى محلّية ودولية بشأن المسؤولية القانونية لشركات أسلحة ومسؤولين أوروبيين لتصديرهم أسلحة إلى إسرائيل

تبدأ الخطة بوقف إطلاق نار لستّة أسابيع وباتفاق بشأن المختطفين قبل بداية شهر رمضان (في 10 آذار)، وصولاً إلى الإعلان عن قيام دولة فلسطينية، وسط دراسة الخارجية الأميركية استعداد واشنطن للاعتراف المبكر بها، وكذلك بريطانيا وفق ما أعلنه وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، على أن يشمل ذلك استكمال إجراءات التطبيع السعودي مع الدولة العبرية. وكانت الرياض أوقفت محادثاتها مع إدارة الرئيس بايدن في شأن التطبيع مع إسرائيل بعد الحرب على غزة، مشترطة حلّ الدولتين الذي ما فتئت منذئذٍ تكرّر المطالبة به.

إقرأ أيضاً: المحكمة الدولية تحاكم إسرائيل: بطلب الأمم المتحدة.. و52 دولة

على الرغم من أنّ الحديث الأميركي عن حلّ الدولتين يُنظر إليه في أوساط فلسطينية ولدى نخب عربية على أنّه لتخدير العرب لأنّ واشنطن لن تفرضه على إسرائيل، يرى متحمّسون للمحادثات العربية مع واشنطن فرصة له. ومحاكمة لاهاي مناسبة على الدول العربية الستّ التي اجتمعت في الرياض الإفادة منها للتشدّد في الإصرار عليه وانتزاع تدابير عمليّة لإنفاذه.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…