سعى المخرج سامر البرقاوي في مسلسل “الهيبة الردّ” (عُرِضَ على mtv خلال الأسابيع الماضية) إلى الدفع بالآكشن إلى واجهة الحدث منذ الحلقات الأولى من المسلسل. أبدى حرصاً كبيراً على إجبار المشاهد على توقّعه من خلال انتظاره عودة بطل المسلسل التائه في البراري لحسم الأمور.
حَكَم الآكشن المُشتهى والمتوقّع مسار المسلسل منذ بدايته حتّى حلقته الأخيرة، دافعاً بالإحالات الاجتماعية والسياسية، التي كان خطاب صنّاع المسلسل في أجزائه السابقة يستعملونها للدفاع عن الانتقادات الكثيرة التي طالته، إلى خلفية المشهد.
إدخال النجم اللبناني عادل كرم إلى ساحة الحدث لتشكيل القطب الشرير المواجه للبطل تيم حسن كان خياراً موفقاً لناحية توظيف شعبية الممثل الآتي إلى الدراما من خلفية الكوميديا، لكنّه كان فاشلاً لناحية تصوير شخصية رجل العصابات الشرير. وقد طال الفشل كذلك أداء النجم تيم حسن كذلك.
تتعدّد الأسباب التي حوّلت الآكشن من رافعة للمسلسل إلى عنوان لهشاشته. وأبرزها أنّ الإخراج بدا وكأنّه يجمّد أداء الشخصيات ويحبسه بدل أن يطلقه. ظهرت شخصية عادل كرم كنموذج مصطنع لشرّير السينما التقليدي الذي يقتل بدم بارد. السيناريو المكتوب لشخصيته لم يكن مقنعاً. حركات جسده وتعابيره بدت مفتعلة وغير متناسقة على طول الخط. ظهر وكأنّه يتنكّر في ثوب الشرير، لكنّه يترك العديد من الآثار والعلامات التي تدلّنا إلى أنّه متنكّر.
إدخال النجم اللبناني عادل كرم إلى ساحة الحدث لتشكيل القطب الشرير المواجه للبطل تيم حسن كان خياراً موفقاً لناحية توظيف شعبية الممثل الآتي إلى الدراما من خلفية الكوميديا، لكنّه كان فاشلاً لناحية تصوير شخصية رجل العصابات الشرير. وقد طال الفشل كذلك أداء النجم تيم حسن كذلك
نسخة المسلسل من عادل كرم الشرير راكمت مجموعة التباسات. فقبل كلّ شيء كان تركيب سلوك الشخصية، المستنسخ من أفلام وشخصيات سينمائية معروفة، غريباً عن السياق العام الذي رسمه المسلسل لنفسه، بتكراره أنّه يرصد الواقع المحلي والإقليمي ويعكسه.
قدّم المسلسل شريراً غريباً لا نعرفه ولا يذكرنا بأيّ من الأشرار المألوفين ولا يمثل حتّى محاولة لعب وإعادة إنتاج أو تطوير درامي لكل ما استقرّ في ذهننا من أمثال هذه الشخصيات، فمن الصعب تخيّل تجّار المخدرات في لبنان والمنطقة على أنّهم أشبه بالمهندسين وخبراء المتفجرات ولاعبي الشطرنج.
تجّار المخدرات الأشرار الذين نعرفهم ليسوا كذلك، وبذلك لم يكن عادل كرم تاجر المخدرات المألوف بل كان تاجر المخدرات المسلسلاتي، وشكّل حالة كاريكاتورية يتجلّى فيها فشل المخرج في خلق الكائن الشرير المثالي عبر عملية تجميع لأشرار السينما، ومحاولة استنساخ شخصية آل باتشينو في فيلم “سكارفايس”.
الخلاصة التي ظهرت أمامنا كانت كوكتيلاً غير متجانس من شرّير لم تنجح برودته في تسخين الأداء، بل جرته إلى منطقة البرودة حيث يتجمد كل شيء ويبدو عاجزاً على الحركة والتعبير. حين تمّ الانتقال من البرودة إلى الجنون والغضب بدا هذا الانتقال هشّاً ومُحاصراً ببنية تعبيرية ضيقة لم تستطِع مساحتها المحدودة أن تحمل حجم الانفعال المطلوب.
الأمر نفسه ينسحب على طريقة تمثيل النجم تيم حسن الذي كان يقدّم أداءً يبدو فيه وكأنّ المخرج قد منعه من التحرّك أو كأنّه مربوط بأثقال غير مرئية. وحتّى حين كان في البرية تائهاً فإنّ تصوير حركته يركّز على الثقل، في حين أنّ التحوّل الذي مهّد المسلسل له في شخصيته يفترض تحوّلاً مماثلا في الحركة، وهذا ما لم يحصل.
لم تتم مواكبة تحول شخصية جبل من المقاتل العنيف الراغب في حسم كل الأمور بالقوة إلى شخصية حكيمة وصابرة ومتأنية على مستوى الحركة والأداء، بل بقيت كل بنية التعبير تقول للمشاهد إنّ من يراه هو شخصية المقاتل العنيف وقد قرّر الاختفاء في ثوب التروّي والصبر. لكنّ وجهه وحركات جسده ويديه، وتعابيره وكلامه، تعلن أنّه جبل القديم وأنّه يخدعنا وحسب.
نسخة المسلسل من عادل كرم الشرير راكمت مجموعة التباسات. فقبل كلّ شيء كان تركيب سلوك الشخصية، المستنسخ من أفلام وشخصيات سينمائية معروفة، غريباً عن السياق العام الذي رسمه المسلسل لنفسه، بتكراره أنّه يرصد الواقع المحلي والإقليمي ويعكسه
السيناريو المكتوب لشخصية جبل ظهر وكأنّه يتقصّد التعامل معه وكأنّه شخصية شكسبيرية ممعنة في المسرحة. فإضافة إلى العبارات التي كثر استعمالها على لسانه من قبيل “سباات”، و”منتهية”، و”ارميها على الله” والتي تستعمل مرفقة بتعابير وجه تظهر الممثل وكأنّه على وشك الاحتضار، ظهرت عبارات أشبه بترجمة أو اقتباس من نصّ شكسبيري أو كأنّها إحالات إلى نهج البلاغة من قبيل: “يا دنيي إذا تكفّي بهيك ناس ما بدي ياكي”، أو: “مسنّنات محرّكاتنا ما راكبة عبعض”.
من الصعب تصديق خروج مثل هذه العبارات عن شخصية عشائرية تنتمي الى بيئة المنطقة ولا دليل على أيّ من أنواع احتكاكها بالثقافة، ولا يمكن توقّع سماعها في الحياة اليومية. وهكذا فإنّها بقيت “لغة مسلسلات” بالمعنى الذي يفصل بينها وبين الواقع ويقيم مسافة منه، في حين أن مهمته تتلخص في تقريبه والتعبير عنه.
إقرأ أيضاً: منى واصف: سيدة “الهيبة” الآتية من مستقبل التمثيل
ربما تكون المفارقة الأبرز في “الهيبة الردّ” أنّ أداء بطليه تيم حسن وعادل كرم كان الأضعف، مقارنة بالأداء الخرافي للنجمتين منى واصف وختام اللحام، والأداء البارز للممثلين محمد عقيل وسعيد سرحان وسليم علاء الدين، مع تسجيل ظهور باهت وغير مقنع لعبير شرارة الآتية من عالم التقديم التلفزيوني.
يخون صنّاع المسلسلات في منطقتنا الخيال والواقع في آن واحد لأنّ الواقع الفعلي تجاوز بما لا يقاس ما يتم تصويره على أنّه ظلّ للواقع. وكذلك فإنّ الخيال المشدود إلى رؤية محدودة وضيقة لم يستطع أن يخرج من الواقع ويكني عنه أو يرسم عوالم موازية له.