أنا في حاجة ماسّة إلى Haircut

مدة القراءة 3 د


إخواتي في المَحجر، أكتب إليكم بعد أن فاض بي الشوق إلى لقياكم. كم أشتاق إلى العودة لتفاصيل حياتي التافهة بعد أن قلبت جائحة “كورونا” المشؤمة حياتي رأساً على عقب؟ أشتاق إلى الخروج من محجري، وأحنّ إلى “الصرمحة” في أزقة وحواري حبيبتي بيروت، علّي أصدُف قليلاً عن أم زهير التي ما عُدتُ أتصوّر بقائي بقربها، وقد جعلتني حقلاً لتجارب مطبخها الرثّ وحلوياتها الآجنة، فزادتني بسطه في البدانة والخمول.

كم أحِنّ إلى لعب “المحبوسة” مع أبي فاروق على قارعة الطريق؟ نراقب المارة ونتبادل زُخرف القول وأطراف الحديث وسفاسفه. ربما أنا بحاجة ماسّة إلى Haircut، لكن بخلاف تلك الخاصة بالحسابات المصرفية والعياذ بالله، التي يُطربوننا كل يوم بالحديث عنها في نشرات الأخبار والصحف، ويهددوننا زوراً وبهتاناً في تطبيقها على حسابات كبار المودعين.

“هيركات” تعيد إلى هيئتي وقاراً فقدته بعد أن أوجَسَت في نفسي خِيفَةً من جائحة كَدِرة، أخذتني بالأسابيع ونقصٍ من الثمرات، فأمست هيئتي كهيئة قائد فرقة “بي.جيز” Barry Gibb (سبحان الباري) في محاولاتي الإحتماء في المنزل من الفيروس، علّي أبقى “على قيد الحياة” (Stay alive).

إقرأ أيضاً: تمرين حكومي للمحتاجين… على شهر رمضان

أنا بحاجة إلى زيارة حلاّقٍ أشتاق إلى ثرثراته السخيفة ورواياته عن بطولاته، أجعلُ بيني وبينه موعداً لا أُخلفه فيهذّب لحيتي التي أصابتها الكثاثة واشتعل فيها الشيب. ربّما التهذيب الذي فقدناه في النُّهى يعوّضه المظهر فيؤثّر في النفسية، على أمل أن يعيد هذا كلّه أعضاء الجسد إلى العمل كما ذي قبل. فما كنّا نختال ونتباهى به ، أصابه الذبول وباتت إستعمالاته تقتصر على أبسط مهامه من الجسد ذاك المنهك (يا حيف).

أشتاق إلى زحمة أسواق الخضار والفواكهة والتنقل بين المحال والبسطات، لانتقاء خيرات الأرض من بقلٍ وقثاءٍ. أشتاق إلى زيارة المولات والأسواق التجارية ليس من باب الحاجة إلى المواد الإستهلاكية والغذائية لا سمح الله، وإنما من باب ممارسة فاحشة الـShopping التي تبعث في النفوس الطمأنينة والراحة والبسكوت والشعور بالوجود.

فالمواد الإستهلاكية على “قفا مين يشيل”… ولله الحمد والشكر. جمعية “الوحوش” التي اصطُلح على تسميتها BEASTS وترأسها الفاتنة الكاعب ابنة الجرمقاني، ما تركتنا لا في الأفراح ولا في الأتراح. كما كانت تدخل إلى قلوبنا البهجة بزينة الأعياد وفي السهرات الراقصة التي كانت تنظّمها بالتعاون مع حبيب الملايين الريّس “جمال” في وسط بيروت، كانت تتبارى مع سليل النبيّ “الهاشميّ” في مدّنا طوال فترات الحجر، بالحصص الغذائية في الغدو والآصال، فيسلكان لنا فيها سُبُلا ويزيدان لنا في كل مرة كيل بعير.

أكتب لكم من محجري، لأخبركم عن اشتياقي إلى أزقة الطريق الجديدة وصبرا والبسطا وبرج أبي حيدر، وإلى البحر وكورنيش عين المريسة. أكتب عن اشتياقي إلى ارتشاف كوب من الـ”نيسكافيه” لدى “العمّ ديك” بعيد انبلاج الفجر بغية تنشّق عَبَق البحر بمياهه وأُجاجه وملحه وتلوثه.

جائحة “كورونا” حرمتنا من هذا كلّه، وصار الريّس “جمال” يسلّط عناصره علينا ليطاردوننا كاللصوص، ويسطّرون محاضر الضبط لكل من يخرق تعاليم حظر التجوال والتعبئة… بأكياس وكراتين.

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

مواضيع ذات صلة

الحروب ليست حلّاً…  

عالم الحروب اليوم أعمق وأخطر، وقد وصل إلى قلب أوروبا بهجمة روسيا على أوكرانيا عام 2022 التي استمرّت حتى اليوم. وكأنّما كانت إسرائيل تنتظر مسوِّغاً…

“الحزب” يتموضع مسبقاً شمال اللّيطاني؟

يتحضّر “الحزب” لـ”اليوم التالي” للحرب. لا يبدو أنّ بقيّة لبنان قد أعدّ عدّة واضحة لهذا اليوم. يصعب التعويل على ما يصدر عن حكومة تصريف الأعمال…

كيف استفاد نتنياهو من تعظيم قدرات الحزب للانقضاض؟

كلّما زار آموس هوكستين بيروت في الأشهر الماضية، كان المسؤولون اللبنانيون وبعض المتّصلين به من السياسيين يسرّبون بأنّها “الفرصة الأخيرة”. لكنّه ما يلبث أن يعود،…

نتنياهو هزم الجنرالات…

ما حكاية الخلاف الشديد بين بنيامين نتنياهو وجنرالات الجيش والأمن في إسرائيل؟ لماذا يبدو أبطال الحرب أقرب إلى التسويات السياسية مع الفلسطينيين، بل مع حلّ…