سارع حزب الله يوم الأحد الماضي إلى إصدار بيان لإدانة محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من خلال إرسال ثلاث طائرات مسيّرة إلى منزله، وهنّأه بسلامته وسلامة مَن معه، ودعا إلى تحقيق دقيق وحاسم لكشف ملابسات هذا الاعتداء ومَن يقف خلفه وأهدافه المشؤومة.
وبموازاة ذلك، دعا الحزب إلى العمل لمنع الفتنة، وإلى الحفاظ على الأمن والاستقرار ومعالجة الخلافات السياسية بالحكمة والحوار والصبر والتواصل والعزم الراسخ على إيجاد الحلول السلميّة وقطع الطريق على كلّ مَن يريد إسقاط العراق من الداخل خدمة لمشاريع الأعداء.
مَن يطلق النار على الكاظمي هو مَن يطلق النار على العراق ودوره التفاوضي والحواري، والهدف هو إعادة تحويل العراق إلى ساحة للصراعات والحروب والمواجهات
مسارعة الحزب، إلى جانب العديد من فصائل المقاومة والقوى السياسية الحليفة لإيران في العراق، إلى إدانة محاولة اغتيال الكاظمي، كانت تهدف إلى قطع الطريق على أيّة محاولة لاستخدام ما جرى من أجل توجيه الاتّهامات إلى هذه الفصائل، وتحميلها المسؤولية عمّا جرى، في ظلّ التصعيد السياسي والشعبي ضدّ حكومة الكاظمي على أثر إعلان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وتشكُّك هذه الفصائل في حسن إدارة العملية الانتخابية ونزاهتها.
وإضافة إلى المواقف المعلنة المندِّدة بجريمة محاولة الاغتيال، وزّعت إحدى الهيئات الإعلامية المعنيّة بالتنسيق بين وسائل الإعلام في محور المقاومة مذكَّرةً داخليّةً تتعلّق بكيفيّة التعامل مع هذه العملية، تضمّنت النقاط التالية:
أوّلاً: إدانة العمل الإرهابي الذي يتعرّض له العراق، وآخره محاولة اغتيال الكاظمي.
ثانياً: تحميل أميركا المسؤوليّة عمّا جرى الذي هو محاولة خبيثة لإحداث فتنة في العراق، خاصّة أنّ محاولة الاغتيال تمّت تحت مظلّة الرصد الراداريّ الأميركي الذي يرصد حركة الأجسام الطائرة، ولا سيّما المسيَّرات، في المنطقة الخضراء حيث يقيم الكاظمي.
ثالثاً: التأكيد أنّ ما جرى يهدف إلى إثارة الفتنة في العراق، وأنّ الهدف تحميل الفصائل المقاوِمة المسؤوليّة عمّا جرى، على الرغم من صدور تحذيرات مسبقة من قادة هذه الفصائل من احتمال وقوع عمليّات أمنيّة لإثارة الفتنة.
رابعاً: تأكيد أهميّة الحفاظ على وحدة العراق واستقراره وأمنه.
في ضوء هذه الملاحظات، يبدو أنّ العراق دخل قبل يومين مرحلة خطيرة جدّاً، وقد لا تنتهي بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في ظلّ التخوّف من حدوث تطوّرات خطيرة أمنيّة وسياسية على أثر إعلان نتائج الانتخابات، ونظراً إلى التطوّرات المتسارعة في المنطقة من توتّرات أمنيّة وسياسية، وما نُقِل من معلومات عن توقّف المفاوضات السعودية – الإيرانية والعودة الى المفاوضات النووية في فيينا.
قد تكون مسارعة حزب الله وإيران وكلّ الفصائل المقاومة المؤيّدة لها في العراق والمنطقة، إلى إدانة هذه العمليّة، رسالةً واضحةً بعدم القبول بعودة الحرب والصراعات إلى العراق
علاقة حزب الله بالكاظمي
المعروف أنّ حزب الله تربطه علاقة وثيقة بمصطفى الكاظمي، وقد دعم الحزب وصوله إلى رئاسة الوزراء، وعُقِدت عدّة اجتماعات بين مسؤول الملفّ العراقي في الحزب الشيخ محمد كوثراني والكاظمي قبل تزكية الأخير لهذا الموقع. واستمرّت العلاقات القويّة بين الطرفين خلال السنتين الأخيرتين على الرغم من الحملات الإعلامية التي تشنّها بعض فصائل المقاومة في العراق ضدّ الكاظمي.
وقد تولّى حزب الله متابعة ملفّ العراق بشكل كبير، ولا سيّما بعد اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. وكان الشيخ محمد كوثراني يتابع هذا الملفّ سابقاً بالتنسيق والتعاون مع اللواء سليماني. لكنّ اغتيال الأخير ترك فراغاً كبيراً في الساحة العراقية أعطى الحزب دوراً أكثر فعّاليّة في متابعة الشأن العراقي، وقد لعب كوادر الحزب دوراً مهمّاً في مساندة الجيش العراقي والحشد الشعبي في مواجهة تنظيم داعش، وشارك حوالي 300 ضابط من كوادر المقاومة في هذه المعركة، حسب تأكيدات الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله.
ويشكّل ملفّ العراق أولويّة مهمّة في محور المقاومة، سواء لأنّه ساحة مواجهة مباشرة مع الوجود الأميركي العسكري، أو بسبب موقعه الاستراتيجيّ في العلاقة بين إيران ولبنان وسوريا، أو نظراً إلى دوره المهمّ السياسي والعسكري في المنطقة في ظلّ صراعاتها. وقد لعب الكاظمي دوراً أساسيّاً في تحويل العراق إلى جسر حوار وتواصل بين القوى الإقليمية والدولية، من خلال رعاية المفاوضات السعودية – الإيرانية، أو عقد القمّة الدولية والإقليمية، بحضور العديد من الأطراف العربية والإقليمية، ومشاركة فرنسا. وساهم الكاظمي أيضاً في تقديم المساعدات النفطية إلى لبنان، ويُتوقَّع أن يكون له دور أساسيّ في المرحلة المقبلة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة ونتائجها الإشكاليّة.
مَن يطلق النار على الكاظمي هو مَن يطلق النار على العراق ودوره التفاوضي والحواري، والهدف هو إعادة تحويل العراق إلى ساحة للصراعات والحروب والمواجهات.
إقرأ أيضاً: إيران تردّ في بغداد… على تصعيد السعودية في بيروت؟
وقد تكون مسارعة حزب الله وإيران وكلّ الفصائل المقاوِمة المؤيّدة لها في العراق والمنطقة، إلى إدانة هذه العمليّة، رسالةً واضحةً بعدم القبول بعودة الحرب والصراعات إلى العراق، ودعوةً سريعةً إلى العمل من أجل معالجة كلّ الإشكالات الحاصلة بسبب نتائج الانتخابات النيابية لإعادة ترتيب الوضع العراقي على أسس قويّة، والحؤول دون عودة الفتنة مجدّداً، ومنع تمدّد هذه الفتنة إلى الساحة الشيعية بشكل خاصّ.