كم من الوقت يمكن أن يطول أيّ حديث “ع الواقف”؟ ثلاث، أربع، خمس دقائق؟ وماذا يمكن أن يحمل حديث خمس دقائق من أهمّيّة؟ ربّما لا شيء… فكيف إن كان لقاءً “ع الواقف” بين رؤساء دول وحكومات؟
معظم لقاءات الرئيس نجيب ميقاتي في قمّة البيئة في غلاسكو، كانت “ع الواقف”. وهذا يعني أنّها بالتأكيد اقتصرت على ما عهدناه من مصطلحات نردّدها في المناسبات، من صنف: كيفك؟ كيف الصحّة؟ الأولاد؟ الأشغال؟ حبيبي… باي، تبقى طلْطِل!
لا جلسات حوار ولا مباحثات ولا موائد مفاوضات جمعت رئيسنا النجيب بوفود دوليّة ما عدا وزير الخارجية الأميركي. لم نشهده يتوسّط، جلوساً “ومش ع الواقف”، وفداً لبنانياً على يمينه ويساره، وأمامه علم لبنانيّ مزروع على طاولة تفصل بينه وبين وفد بلد أجنبي آخر. لقاءات ميقاتي كانت “ع الواقف” أشبه بلقاءات في حفل كوكتيل، أو في عرسٍ فاره لعروسين من طبقة مخمليّة أرستقراطية وبكفوف سود وربطات عنق Papillon.
بات مكتوباً على اللبنانيّين، وعلى السُنّة، المبتلين بزعمائهم في لبنان، أن يترحّموا وأن يقرأوا الفاتحة على ضريح مارد مثل رفيق الحريري… برضو “ع الواقف”
ألقى ميقاتي السلام على الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي “ع الواقف”. الصورة المنشورة في الصحف المصرية، مع تعابير وجه السيسي، توحي وكأنّ “الريّس” كان يقول لميقاتي: “يا أهلاً وسهلاً… يا مَرحَبْ… تِسلم تِسلم يا حبيبي”.
أمّا تعابير وجه الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مصافحته ميقاتي، فتوحي أيضاً بأنّ بايدن كان مستيقظاً من قيلولته بعد الظهر، وكاد أن يسأل ميقاتي: “ابن مين إنت عمّي؟”.
حتّى تجاذب الحديث مع الوفد السعوديّ كان “ع الواقف”، وبدا وكأنّ الرئيس ميقاتي يغازل الدبلوماسيّين السعوديّين حتى يصدّقوه: “أقسم بربي إنو قرداحي حكى قبل ما يتسلّم الوزارة”.
كان اللقاء مع الأمير تميم أكثر حميميّة وتعاطفاً بعض الشيء، فآمال ميقاتي معقودة على الأمير الشابّ من أجل حلّ أزمتنا مع المملكة ومع بقيّة دول الخليج. بدا الأمير تميم في نظراته إلى ميقاتي “ع الواقف”، كمن يقول له: “لا تعرج حدّ مكرسحين… نحن اختبرنا المقاطعة قبلكم”.
وحدها صورة لقاء ميقاتي بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كانت معبِّرة. الـZoom In لم يُظهر إن كانت الصورة “ع الواقف” أو “ع القاعد”، لكنّ ميقاتي كان يوشوش الرئيس الفرنسي في أذنه اليسرى وبدا الأخير مصدوماً ممّا يسمع، وكأنّ ميقاتي كان يقول له: “طرقونا جماعة الحزب… ع الواقف”.
كأنّه قدر الطائفة السنّيّة أن تُخيَّر بين الرئيس حسان دياب الذي لم يخرج من السراي الحكومي في وسط العاصمة بيروت (سكن فيها أيضاً) وبين رئيس حكومة لقاءاته برؤساء الدول مُقدّرة له بالصدفة، و”ع الواقف”.
إقرأ أيضاً: عن الشاعر نجيب ميقاتي
مضى زمن رؤساء الحكومات الكبار الذين كانوا يلفّون الكرة الأرضية بطائراتهم الخاصّة، يزورون الدول ويجلسون على موائد رؤسائها. كان لبنان يستحقّ “الجلوس” والإنصات. كان لبنان حكاية نهوض وإعمار وتنمية تستحقّ الاستماع إليها. أمّا اليوم فمشروعنا هو “معك 100 دولار لآخر الشهر؟”.
بات مكتوباً على اللبنانيّين، وعلى السُنّة، المبتلين بزعمائهم في لبنان، أن يترحّموا وأن يقرأوا الفاتحة على ضريح مارد مثل رفيق الحريري… برضو “ع الواقف”.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب