“سوف أطرق الأبواب كلّها”… “الكبير والصغير والمقمّط بالسرير”… “لن أفوّت الفرص”… “العين بصيرة واليد قصيرة”… “السعودية قِبلتي”… وخلافه من المصطلحات التي ينهال بها علينا دولة الرئيس نجيب ميقاتي منذ تولّيه مقاليد الحكم، فما عدنا نعرف إن كان رئيساً لحكومة “معاً للإنقاذ”، أم حكيماً وشاعراً من شعراء “سوق عكاظ”، تلك السوق التي جمعت قديماً العرب وقادتهم ليتفاخروا في ترداد الأشعار والأقوال المأثورة والنصوص المنثورة!
في لسان العرب، عَكَظ دابَّته يَعكِظها عَكظاً أي حبسها. وتعَكَّظ القوم تَعَكُّظاً إذا تَحَبّسوا لينظروا في أمرهم، ومنه سُمِّيت عُكاظ. وعكظَ الشيءَ أي عَرَكَه. عَكَظ خَصْمَه باللَّدَد والحُجج، أي قَهَره (الله لا يقهر حدا).
ويقول عالم اللغة العربية الليث بن المظفر الكناني: “سُمّيت عكاظاً لأنّ العرب كانت تجتمع فيها، فيعكظ بعضهم بعضاً بالمفاخرة… فالحبس والعرك والعراك والقهر والمفاخرة والدَّعك والدَّلك والمجادلة والمطل والاجتماع والازدحام والتمنّع جميعها من أغراض عكاظ ووقائعه”.
انكشف عجز الحكومة ولا يبدو أنّها ستكون قادرة على الاستمرار إلى ذلك الحين من أجل تنفيذ مهمّتها الوحيدة: الانتخابات
ويُقال أيضاً إنّ في تلك السوق كانت تُعقَد الوثائق وكانت تُنقَض أيضاً، وكانت تُطلَق فيها الألقاب على الشعراء والفرسان، وكذلك على القبائل، وكانت فيها تُتَبادل البضائع بين العرب وبين الفُرس وبين بلاد الشام وغيرها (يا سلام).
أمّا نجيب فهو اسم مشتقّ من الخلوص والكرم. والرئيس ميقاتي اسم على مسمّى، فهو كريمٌ وصاحب جود لا يبخل علينا بالحِكَم والأقوال، فيحدّثنا عن الأمّ وعن عذاباتها، وعن حبّة الـPanadol التي لم تستطع شراءها بفعل الأزمة، لكنّه يعود ويُخبرنا بأنّ الدولة عاجزة.
يعدنا بتحسين ساعات التغذية بالكهرباء وباستجرار الغاز من مصر سريعاً، ثمّ يقول لنا “عليكم بالدعاء”، فيدعونا ويدعو البطريرك بشارة الراعي بعد زيارته، إلى الصلاة وإلى خير العمل (ونِعم بالله).
يتعهّد بحلّ أزمة البنزين، ثمّ يذكّرنا فوراً بأنّ المصرف المركزي ما عاد يملك الدولارات لشرائها… وكأنّه كُلِّف برئاسة الحكومة حتى يُطلعنا على أزمات نجهلها ولا نعيشها… وكأنّه لم يُكلَّف لحلّها!
لكن دعك من هذا كلّه. دعك من “سوق عكاظ” ومن خصال العرب. عُد بنا إلى مصر القديمة وإلى حقبة الفراعنة أصحاب الحضارة والمال والجاه والتطاول في البنيان. عُد بنا إلى سِيَرهم وخصالهم واهتماماتهم.
برع الفراعنة واشتهروا في تحنيط الموتى، واعتبروا حرفة التحنيط علاجاً للجسد بعد موته وقيامته مجدّداً (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)، فعُرِّف التحنيط في اللغة الإنكليزية بمصطلح Mummification، ومنه اشتُقّ مصطلح Mummy أو مومياء في العربية، ويُقال إنّ الكلمة مشتقّة من Mummia الفارسية (ورانا ورانا والزمن طويل) التي تعني القار، أو القطران المعروف اليوم باسم مادة البيتومين، وهي كانت من بين الموادّ الرئيسية المستخدَمة في التحنيط وقتذاك.
وعليه، يبرز سؤالٌ لا يُعرف جوابه حتى الآن: هل تستخدم حكومة ميقاتي مادّة القار في تحنيط “مومياوات السلطة” خلال الانتخابات النيابية، التي وعدت المجتمع الدولي بإجرائها خلال شهر آذار المقبل، إذ يبدو أنّ حكومته ذات مهمّة وحيدة هي “التحنيط”، تمهيداً لإعادة تلك السلطة إلى الحياة بعد موتها؟!
انكشف عجز الحكومة، ولا يبدو أنّها ستكون قادرة على الاستمرار إلى ذلك الحين من أجل تنفيذ مهمّتها الوحيدة. ربّما لن تعيش من الآن حتى الانتخابات. فالطوابير تزداد طولاً، وسعر السلع ينمو ويكبر. أمّا الدولار فبات من دون سقف بعد تحوّلنا إلى شراء المازوت بالعملة الخضراء، وأزمة الكهرباء مستمرّة ومستمرّة إلى ما قدّر الله وشاء.
أمّا التخدير الذي أصاب الناس عشيّة تشكيل الحكومة، فبدأ هو أيضاً ينضب وينتهي مفعوله، ولهذا بدأت الناس تستشعر عجز الحكومة في كل شيء، وبدأت تكتشف أنّ الحكومة وُلِدت ميتة، بسبب خطأ الداية، تلك الداية التي أشرفت على ولادتها، أي تيريز “الحشّورة” التي تحشر أنفها في كلّ شيء.
إقرأ أيضاً: نجيب ميقاتي ضاحكاً على الجميع
وعلى سيرة الموت أيضاً، ثمّة مَن قال للمجتمع الدولي (المنافق والغاضّ الطرف) إنّ اللبنانيين يهتمّون بأمر الانتخابات أكثر من اهتمامهم بالكهرباء والإنترنت والمحروقات، فصدَّق أو ربّما تآمر هو أيضاً.
الخوف كلّ الخوف أن يُنهي ميقاتي مسيره على الشكل الذي أنهى به سلفه حسان دياب مساره، فيتلو على مسامعنا تلك الجملة السحرية التي نحفظها عن ظهر قلب: “ما خلّونا”.
عليه العوض ومِنّو العوض!
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب