يواجه التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله أزمات متعدّدة من داخل بيئتيْ الفريقين ومن حلفائهما المشتركين. وعلى الرغم من القرار الحاسم لكلّ من التيار والحزب باستمرار التحالف بينهما في المرحلة المقبلة، وزيادة التعاون والتنسيق على صعيد الانتخابات النيابية في آذار، فإنّ المخاوف تزداد من أن تؤدّي التحدّيات المختلفة التي يواجهها الحليفان إلى صعوبة تحقيق هذا التعاون، ولا سيّما بعد ما شهدناه أخيراً من سجال عنيف بين حركة أمل (حليف الحزب الاستراتيجيّ) والتيار الوطني الحر.
فكيف ينظر مسؤولو الحزب والتيار إلى آفاق التحالف والتعاون بينهما؟ وهل ينجحان في مواجهة الاعتراضات والإشكالات داخل بيئتيْهما ومن حلفائهما؟
يؤكّد المسؤولون في حزب الله أنّ التحالف مع التيار مستمرّ، وأنّه سيزداد في الانتخابات النيابية المقبلة من خلال الاستفادة من الأخطاء التي وقعت في الانتخابات السابقة في العام 2018، وأنّ التباينات السياسية أو التفصيليّة مع التيّار حول بعض الملفّات، وبعض السجالات التي تقع بين البيئات المؤيّدة للحزب ومسؤولي التيّار، لن تؤثّر على هذا التحالف.
العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله تمرّ اليوم بمرحلة مفصليّة، وتحتاج إلى إعادة “شدشدة” وتطوير، وإلى تنظيم الخلافات لئلا يخسرا أكثروإلا فإنّ الطرفين سيواجهان تداعيات سلبية داخل بيئتيْهما
ويضيفون أنّ التحالف الاستراتيجيّ بين الحزب وحركة أمل، والعلاقة القويّة مع تيّار المردة وزعيمه سليمان فرنجية، لا يتعارضان مع تحالف الحزب والتيّار، وأنّ الحزب سيعمل على تنظيم العلاقة مع كلّ الحلفاء لإدارة هذه الملفّات بما يعزّز التحالف ويحافظ على قوّته السياسية والانتخابية.
في المقابل، يعترف المسؤولون في التيّار الوطني الحرّ بأنّ العلاقة مع حزب الله واجهت خلال السنتين الأخيرتين الكثير من التباينات والإشكالات بسبب اختلاف النظرة إلى كيفيّة مكافحة الفساد وقيام الدولة، وأنّ التطوّرات الأخيرة في الموقف من تحقيقات المرفأ والقاضي طارق البيطار وأحداث عين الرمّانة – الطيّونة تركت آثاراً سلبيّة على العلاقة بين بيئة التيار وبيئة الحزب، وأحدثت خدوشاً في العلاقة بين الطرفين، لكنّ ذلك لن يؤثّر على التحالف المستمرّ بينهما، وإن كان من غير الواضح كيف سيُترجَم هذا التحالف في الانتخابات النيابية المقبلة بشأن العلاقة مع بقيّة الحلفاء.
أمّا في ما يتعلّق بالحملة التي شنّها الأمين العامّ لحزب الله السيد حسن نصر الله ومسؤولو الحزب على القوات اللبنانية وقائدها الدكتور سمير جعجع على خلفيّة أحداث الطيّونة – عين الرمّانة، فتختلف التقديرات بين مسؤولي الحزب والتيار. في حين أنّ هناك مَن يعتبر أنّ هذه الحملة قد تخدم التيّار من خلال إضعاف دور القوات، وإظهار أنّها تهديد للمجتمع المسيحي، وأنّها تعمل للعودة إلى الحرب الأهليّة، وهذا ما لا تريده بيئة التيار والبيئات المسيحية المعتدلة. في المقابل هناك وجهة نظر أخرى داخل التيار وبعض الأجواء المسيحية ترى أنّ حملة السيد نصر الله ومسؤولي الحزب على القوات وجعجع تعزّز من موقعيّتهما داخل البيئة المسيحية، وتظهرهما حاميَيْن للمسيحيّين في مواجهة تعدّيات وأخطاء البيئة الشيعية بحقّ البيئة المسيحية.
وفي ضوء كلّ هذه المعطيات المتضاربة والمختلفة حول ما يجري بين بيئات الحزب والتيار، وفي ظلّ الخوف من فشل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تحقيق أيّة إنجازات فعليّة في الأشهر القليلة المقبلة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات النيابية، فإنّ هناك وجهة نظر داخل التيّار ولدى بعض الأوساط القريبة من الحزب ترى ضرورة انعقاد خلوة داخليّة بين الحزب والتيار لتقويم كلّ التطوّرات الجارية، والتفاهم على رؤية مستقبليّة لتجديد وتطوير التفاهم بينهما، كما جرى الاتفاق سابقاً بين قيادتيْ الطرفين، وللعمل من أجل معالجة كل الإشكالات مع بقيّة الحلفاء. لأنّ استمرار التباينات والخلافات وعدم التفاهم على رؤية مشتركة ومستقبليّة سيخدمان كلّ المراهنين على خسارة التحالف القائم اليوم بين الحزب والتيار وبقيّة الحلفاء. وستكون لذلك انعكاسات سلبيّة داخل البيئة المسيحية ستعزّز من موقع ودور القوّات اللبنانية وبعض المجموعات المتشدّدة داخل هذه البيئة والتي تتبنّى الدعوة إلى الفدرالية أو تدعو إلى تشكيل جبهة سياديّة لمواجهة ما تسمّيه “الاحتلال الإيرانيّ” أو “النفوذ الإيرانيّ في لبنان” المتمثّل بحزب الله بشكل مباشر.
إقرأ أيضاً: هل الحزب “مرتبك”.. بـ”انتصار” مأزوم؟
إذن العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله تمرّ اليوم بمرحلة مفصليّة، وتحتاج إلى إعادة “شدشدة” وتطوير وإلى تنظيم الخلافات، وإلا فإنّ الطرفين سيواجهان تداعيات سلبيّة داخل بيئتيْهما ومع بقيّة الحلفاء، وستكون لذلك انعكاسات سلبيّة على نتائج الانتخابات النيابية المقبلة.
فهل ينجح الطرفان في إنقاذ التفاهم والتحالف بينهما أم يدفعان أثمان التطرّف المنتشر في بيئتيْهما؟