القوات تردّ على الدكتور رضوان السيد

مدة القراءة 7 د

 جاءنا من الدائرة الإعلامية في “القوات اللبنانية” الردّ التالي على مقال الدكتور رضوان السيد المنشور أمس بعنوان “المسلمون لم يفجّروا المرفأ”.

نتأسف أوّلاً لاضطرارنا إلى الردّ على كاتب لطالما اعتبرناه يعكس الموقف السيادي في لبنان ويعبِّر عن مبدئيّة سياسيّة في مقارباته الوطنيّة، فإذا بنا نُفاجأ بمقال بعيد كلّ البعد عن المنطق السيادي اللبناني، بدءاً من العنوان الذي يقول فيه صراحة بأنّ المسيحيين يتّهمون المسلمين بانفجار المرفأ، وأنّه في مقالته ينفي عنهم هذه التهمة، وصولاً إلى مقارباته التي أحيا فيها محطّات تعود إلى الحرب اللبنانيّة، لم نكن نتصوّره هو بالذات يعود إليها.

“القوات” ليست لا من قريب ولا من بعيد جزءًا من المنظومة منذ العام 2005، والمنظومة هي المتحكّمة بالقرار السياسي، و”القوات” لم تكن يوًما متحكّمة بهذا القرار

نتأسف ثانياً لوجود هذا الكمّ الكبير من المغالطات الواردة في مقالة الكاتب رضوان والتي سنفنِّدها كالآتي:

  • أولاً، قال الكاتب “وحده رئيس الجمهوريّة لا يريد حكومةً تشكّلها شخصيّة سنّيّة معتَبَرَة. وقد انضمّ إليه قبل فترة “قائد” القوات اللبنانية سمير جعجع!”.

وتوضيحاً نقول: إنّ رئيس “القوات” لم ينضمّ إلى أحد، وموقفه ما زال هو نفسه منذ سنة ونصف سنة، وكنّا نتوقّع من الدكتور رضوان أن يهنّئ “القوات” على موقفها الذي أثبتت الوقائع صحّته وصوابيّته بدليل أنّ الفريق الحاكم أسقط المبادرة الفرنسيّة وحال دون تمكين الدكتور مصطفى أديب من تأليف حكومة، والرئيس سعد الحريري الذي اعتبر عشيّة تكليفه أنّ هناك فرصة للإنقاذ عاد واعتذر بعد تسعة أشهر، وحكومة اللون الواحد فشلت فشلاً ذريعاً، فيما هذا الوقت كلّه مهدور من كرامة الناس ولقمة عيشهم، والانهيار غير المسبوق كان يمكن تجنُّبه لو اتخذ من كان يجب أن يتّخذ موقفاً مشترَكاً مع “القوات” رفضاً لمنح الفريق الحاكم الشرعيّة والغطاء، والذهاب إلى الاستقالة من مجلس النواب من أجل فرض الانتخابات النيابيّة المبكرة من أجل تغيير الفريق الحاكم.

يُفتَرَضُ أن يكون الدكتور رضوان من المتابعين للمواقف السياسيّة، وتحديداً للمواقف التي يتقصّد الدكتور جعجع تكرارها من أجل ترسيخها في أذهان الناس بأنْ لا حلّ للأزمة سوى عن طريق كفّ يد الفريق الحاكم، وتحديداً العهد و”حزب الله”، وأنّ أيّ حكومة لن تتمكّن من القيام بأيّ شيء في ظلّ قبضة هذا الفريق المُحْكَمة على السلطة، وأنّ موقف “القوات” من عدم التكليف موجّه ضدّ هذا الثنائي.

كنّا نتوقّع من الدكتور رضوان بعد اعتذار أديب والحريري أن يقرَّ ويعترفَ بأنّ موقف “القوات” كان صائباً لا أن يلومها على موقفها ويحرِّف هذا الموقف. 

  • ثانياً، كتب الدكتور رضوان الآتي “أمّا “قائد” القوات اللبنانية فتجاوز عجائبيّات الرئيس ظاهراً، وانضوى تحت إحداها بالفعل. يقول هو عائداً إلى حقبة “حالات حتماً” إنّه لا يريد حكومة لأنّها ستكون جزءاً من المنظومة الحاكمة الفاسدة. وهو جزءٌ رئيسٌ في المنظومة منذ عام 2005، حين أخرجته قوى 14 آذار من السجن، ومنحته ثلث نوابه في انتخابات عام 2009″.

    أدبيات “القوات” كلّها سياسية بامتياز وبعيدة كلّ البعد من الاتّهامات الطائفّية، وحتى “حزب الله” الذي نختلف معه حول كلّ شيء لا نضع خلافنا معه في الإطار الطائفي

وتوضيحاً نورد 4 ملاحظات سريعة:

  • الملاحظة الأولى: نستغرب أشدّ الاستغراب أن يتبنّى الدكتور رضوان النهج العوني في نبش قبور الماضي، ولن ننجرّ خلفه للتذكير بأدبيّات كلّ فريق في ذاك الزمن، وأوّلهم الكاتب نفسه، فالماضي مضى ونريد أن نعتبر منه من أجل بناء مستقبل للإنسان في لبنان، وليس العودة إليه من أجل قطع الطريق على المستقبل الذي ينشده كلّ لبناني.
  • الملاحظة الثانية: “القوات” ليست لا من قريب ولا من بعيد جزءاً من المنظومة منذ عام 2005، والمنظومة هي المتحكّمة بالقرار السياسي، و”القوات” لم تكن يوماً متحكّمة بهذا القرار، إنّما مشاركة في السلطة ضمن التوازن الذي كان قائماً، وتجربتها في هذه السلطة على محدوديّتها شكّلت نموذجاً يتحدّث عنه الخصوم قبل الحلفاء، وعندما وجدت عدم جدوى الاستمرار في السلطة دعت في 2 أيلول 2019، أي قبل انتفاضة 17 تشرين، إلى ضرورة تشكيل حكومة اختصاصيّين مستقلّين لا تأثير للقوى السياسيّة في اختيار أعضائها، حيث ساوت نفسها ظلماً بغيرها، وعندما وجدت أنّ تشكيل حكومة من هذا النوع مستحيل مع الفريق الحاكم تبنّت مطلب الانتخابات النيابيّة المبكرة للتخلُّص من هذه المنظومة.
  • الملاحظة الرابعة حاول الكاتب الإيحاء بأنّ 14 آذار منحت “القوات” ثلث نوابها في انتخابات عام 2009، فيما أظهرت “القوات” عندما أجريت الانتخابات على أساس قانون تمثيلي، لا قانون بوسطات وكنعان وغزالة على غرار كلّ القوانين المعلّبة منذ عام 1992، بأنّها تمثِّل أفضل تمثيل سياسي، لأنّ مواقفها تعكس تطلّعات ناسها، ولأنّ مسيرتها الوطنيّة لا غبار عليها، فلا تراجع ولا مساومة، وبوصلة مواجهتها دائماً واضحة وضوح الشمس: استعادة الدولة لقرارها الاستراتيجي، وتغيير دور الدولة في إدارتها للشأن العام.
  • ثالثاً، يقول الدكتور رضوان “إنّ هموم الرئيس “وقائد” القوات وجبران باسيل هي غير هموم المواطنين بالتأكيد. فنحن الشعب المسكين نريد حكومةً توقف الانهيار بالإصلاحات وبالتحدّث إلى المجتمع الدولي”، وهذا القول خاطئ تماماً لأنّ “القوات” تعيش مع الناس، وهمومهم هي همومها، ولأنّها كذلك وترفض أن يُهدَرَ الوقت الثمين من كيسهم، رأت أنّ وقف الانهيار لا يتحقّق عن طريق الحكومة، والوقائع أثبتت وجهة نظرها بدليل الاعتذارات المتتالية والانهيار المتواصل.
  • رابعاً، أورد الدكتور رضوان الآتي: “هناك اعتبارٌ آخر ما كان ليُثار لولا الطائفية البغيضة الظاهرة في تصرّفات الباسيل والقائد. أنتما لا تريدان الاعتراف بحقّ السنّة (لأنّ رئيس الحكومة سنّيّ) في المشاركة المحترمة في الشأن الوطني. وستظلاّن على هذا الإصرار الذي يمثّل خياراً خاطئاً بالكلّيّة (مثل الخيار المرّ 1979-1983، والوقوف العونيّ ضدّ إنهاء الحرب الداخلية واشتراع وثيقة الوفاق الوطني والدستور)”.

من الواضح أنّ الدكتور رضوان يصرّ على نبش حقبة الحرب الأهلية، ولن ننجر مجدّداً إلى هدفه حرصاً منّا على تهدئة النفوس، علماً أنّ الردّ جاهز والوقائع موجودة، بل سنكتفي بالتأكيد أنّ الصراع اليوم ليس طائفيّاً ولا مذهبيّاً، ولا صراع صلاحيات بين الرئاسات، إنّما صراع عنوانه مزدوج: سيادة الدولة وإدارتها.

  • خامساً، يقول الدكتور رضوان “إنّما السبب المباشر هي هذه المؤامرة الخبيثة والحثيثة من القوات وبعض وسائل الإعلام، حتى قبل الباسيل، للقول بفصاحة إنّ المسلمين سنّةً وشيعةً هم الذين فجّروا المرفأ!”.

وهذا اتّهام مرفوض رفضاً باتّاً، ونتحدّى الدكتور رضوان أن يدلّنا على موقف واحد لـ”القوات” تتّهم فيه المسلمين بانفجار المرفأ، ولولا المودّة والاحترام لكنّا تقدّمنا بشكوى أمام القضاء المختصّ حيال اتّهام مرفوض شكلاً ومضموناً، فيما أدبيّات “القوات” كلّها سياسية بامتياز وبعيدة كلّ البعد من الاتّهامات الطائفية، وحتى “حزب الله” الذي نختلف معه حول كلّ شيء لا نضع خلافنا معه في الإطار الطائفي، بل خلاف على رفضه تسليم سلاحه ومصادرة قرار الدولة وربط بيروت بطهران، ومن المؤسف تماماً أن يتكلّم الدكتور رضوان بهذه اللّغة الطائفيّة البغيضة مع فريق سياسي يعتبر أنّ الإرهاب لا دين له ولا لون.

آخر ما كنّا نتوقّعه أن يضع الدكتور رضوان حاجزاً أمام العدالة بقفزه فوق طلب المحقّق العدلي وتطييف ملفّ انفجار المرفأ.

  • سادساً، إنّ أكثر ما استوقفنا أيضاً قوله “إنّ أحداً من المسلمين من كلّ طوائفهم لا يريد القتال ولا الانفصال”، ومتودِّداً لـ”حزب الله” ومدافعاً عنه في موقف يعكس عمق نظرته الإسلاميّة التي تتوحّد فيها قوى التطرُّف ضد الإنسانية ومفاهيم الدولة والحرية والشراكة والحداثة والحياد، فيما “حزب الله” يأخذ لبنان إلى الحرب، ويقيم دولته المنفصلة عن الدولة اللبنانيّة، ويمنع قيام الدولة ويحول دون تطبيق الدستور.

    إقرأ أيضاً: المسلمون لم يفجّروا المرفأ

    لم أكن أتمنّى إطلاقاً أن أقرأ هذا المقال للدكتور رضوان الذي كانت نظرتي إليه مختلفة تماماً… 

مواضيع ذات صلة

أسرار تسميات ترامب: مصيرنا بيد إيلون ماسك

يرسم المتابعون والعارفون بعقل دونالد ترامب في واشنطن صورة واضحة لما يفكّر فيه الرجل، وما سيقوم به، خصوصاً بما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط.   يعترفون…

رجال ترامب هم رجال إسرائيل!

تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي…

هل ينفع الحوار مع إيران للاستغناء عن خدماتها؟

حين تتحدّث مع دبلوماسيين غربيين عاملين على مسائل لبنان والمنطقة هذه الأيام، يصغون بشيء من اللياقة لما يُعرض من التفاصيل المتعلّقة بصيغة لبنان، سواء في…

صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟ الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين…