الأوسكار “صيني” هذا العام.. وظلمَ كثيرين

مدة القراءة 4 د

لا يمكن تجنّب التّأثير السياسي الواسع على جوائز أوسكار 2021 مع إعلاء شأن الصّراع مع الصّين في مرحلة الرئيس الأميركي جو بايدن، ووضع هذا البلد الآسيوي على رأس قائمة المخاطر التي تهدّد الأمن القومّي الأميركي.

جاء الرّدّ في الثقافة قبل كل شيء عبر منح الجائزة الكبرى في السينما، “الأوسكار”، إلى المخرجة الصّينيّة كلوي زاو الّتي تربطها ببلدها الأم علاقة شائكة، والّتي سبق لها أن أدلت بتصريحات عام 2013 عن ذكرياتها في العيش فيه، فقالت إنّ “الأكاذيب تنتشر في كلّ مكان”، وكان لافتاً أنّ أكبر وسائل الإعلام الصينيّة امتنعت عن تغطية خبر فوزها.

تعتبر كلوي المرأة الثّانية، الّتي تفوز بهذه الجائزة في تاريخ الأوسكار بعد كاترين بيغولو وفيلمها “خزانة الألم” الّذي نال الجائزة لأسباب سياسيّة بحتة. فقد نجحت بفضل موضوعه الّذي يتحدّث عن حرب العراق في تجاوز كلّ العقبات النّقديّة والحصول على الجائزة الأرفع في عالم السينما.

فيلم زاو “نوماد لاند” ينسجم مع المعايير الجديدة الرّامية إلى البحث عن قيم محدّدة بغية تكريمها سينمائيّاً، بحثاً عن نوع من الصوابيّة الأخلاقيّة والسّياسيّة، ورغبةً في دعم قضايا النّساء والأقليّات والمهمّشين، وتهرّباً من تهم العنصريّة الّتي طالما لاحقت الجهات المانحة لجوائز الأوسكار

جاء الرّدّ في الثقافة قبل كل شيء عبر منح الجائزة الكبرى في السينما، “الأوسكار”، إلى المخرجة الصّينيّة كلوي زاو الّتي تربطها ببلدها الأم علاقة شائكة، والّتي سبق لها أن أدلت بتصريحات عام 2013 عن ذكرياتها في العيش فيه

يسمح المستوى العالي للفيلم لمنظّمي الأوسكار بتبرير خيارهم منحه جائزة أفضل فيلم، ومنح بطلته النجمة فرانسيس ماكدورماند جائزة أفضل ممثّلة، ويقدّم فرصة كبيرة لتعزيز سينما الموضوع.

يعالج الفيلم تأثيرات أزمة الرهن العقاري الّتي سبّبت فقدان قسم كبير من الأميركيين لمنازلهم، وممتلكاتهم، ومدّخراتهم، فوجدوا أنفسهم يعيشون في العراء في مقطورات متنقّلة.

يصوّر “نوماد لاند” عالم الخسارة وخيارات مواجهتها، وخلق شكل جديد للعيش في سياق دراميّ توثيقيّ حافل بالمشاهد الطّبيعيّة الواسعة، وبإيقاع بطيء وحسّاس، ويشير إلى نشأة مجتمع البداوة الأميركيّة المعاصرة من خلال شخصيات حقيقيّة وضمن نفس شاعري يعزّز قيم التعاون، والتبادل، والحرية، وفكرة التنقّل وعدم الثبات.

الهدف من وراء ذلك هو تقديم كلّ تلك القيم بوصفها قيماً أميركية أصليّة تستحقّ الدفاع عنها وتكريمها. لكنّ الفيلم يُهمل الإشارة الواضحة إلى الأسباب التي خلقت هذه الأزمة، ويعمل على شعرنة الحالة بلغة سينمائيّة جذّابة تعتمد على قوّة المشاهد الطّبيعيّة المفتوحة وسحرها، والأداء الباهر للنّجمة فرانسيس ماكدورماند التي سبق لها أن حازت الأوسكار.

يعالج الفيلم تأثيرات أزمة الرهن العقاري الّتي سبّبت فقدان قسم كبير من الأميركيين لمنازلهم، وممتلكاتهم، ومدّخراتهم، فوجدوا أنفسهم يعيشون في العراء في مقطورات متنقّلة

فوز الفيلم حرم أفلاماً جديدة تنطوي على تجارب جادّة خرجت إلى النور بميزانيّات منخفضة من التّكريس والفوز، أبرزها فيلم “صوت المعدن”، الذي أخرجه داريوس ماردر، والّذي قدّم بطله البريطانيّ المسلم ريز أحمد دوراً باهراً ببراعة لفتت أنظار النّقّاد ومواقع تقويم الأفلام، فنال درجة 97% على موقع “الطّماطم الفاسدة” الشّهير.

هنا تكمن حيلة مانحي الأوسكار، إذ إنّهم يواجهون الجمهور بفيلم ثقيل من وزن “نوماد لاند”، وبمنح النّجم الكبير أنطوني هوبكنز جائزة أوسكار أفضل ممثل عن دوره في فيلم “الأب”، الّذي يعرض سيرة والد فاقد للذّاكرة، وتحوّلات شخصيّته، وعلاقته مع ابنته والعوالم الخياليّة الّتي يخلقها ويحيا فيها.

إقرأ أيضاً: رينيه ديك وزمن المدينة المقتول (1946 -2021)

هكذا لا نعود قادرين على الانتباه إلى أيّ أفلام أخرى، ويعبر خيار اللّجنة ممر النّقد والاحتجاج بأمان، وتكون العمليّة أشبه بمراكمة الأمر نفسه، وتكرار المنطق نفسه في كلّ عام.

لا تخرج خيارات الأوسكار عن هذا السّياق، وتضاف إليها لعبة حجب الجوائز عن مخرجين كبار، مثل كريستوفر نولان وفيلمه “تينيت” الّذي قدّم تقنيات غير مسبوقة، وعن ممثّل كبير من وزن “غاري أولدمان”، الّذي لعب دور هيرمان جي ماركيوز في فيلم “مانك” للمخرج ديفيد فينشر.

لا يحتاج من حُجِبت عنهم جوائز الأوسكار إليها فعلاً. نولان ينتج أفلاماً بميزانيّة تفوق مئات ملايين الدولارات، وكذلك ديفيد فينشر لا يحتاج إلى الأوسكار مع رصيده من الأفلام الناجحة جماهيريّاً، والّتي كان أبرزها فيلم “نادي القتال” الّذي أثار أزمة واُتُّهِم بمعاداة المجتمع.

كان الأوسكار “الصيني” سياسياً هذا العام، مثل أعوام كثيرة، وظلم مبدعين كثيرين، فقط لأنّها ليست “لحظتهم”، في التقاطع بين الإبداع والسياسة والظروف الجيوسياسية.

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…