أغنيّة “عيد الكذب” :عباس شاهين يبصق على السياسيين؟

مدة القراءة 5 د

أطلق المغنّي والممثّل عبّاس شاهين والشّاعر والملحّن سعيد ملاعب والمخرج مروان طرّاف “أغنية أوّل نيسان” لمناسبة “عيد الكذب”. وقرّروا إهداءها للطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة. خرجت الأغنية إلى النور بطريقة الفيلم القصير، فقد صُوِّرت بالاستعانة بأرشيف مشاهد ثورة 17 تشرين، باعتبار المناسبة إطاراً عامّاً تتحرّك فيه الأغنية، بينما تعمل كلماتها على توصيف أحوال البؤس والخراب الّذي قامت الثورة لتغييرهما.

ربّما تكون أغنية أول نيسان الأغنية الأولى الّتي تتبنّى الاحتقار التّام لكلّ الطّبقة السّياسيّة منطلقاً لها، فهي تبني مقاطعها انطلاقاً من حركة البصق، وتجعل من أحوال البلد مرآةً لسيرة السّياسيّين وإنجازاتهم.

تبدأ الأغنية بما يحدّد الجوّ العام ويشرح الأسباب الّتي أوجبت الإهداء إلى الوزراء والزّعماء، وتقول كلماته: “في وزرا وزعما بلبنان، نوّابن بالبرلمان، بدي عيّدهن وقلّن، بعيدن بأوّل نيسان”.

تكرّس هذه المقدّمة يوم الكذب بوصفه العيد الجامع الّذي ولد فيه كلّ الزّعماء والوزراء والنّواب في استعادةٍ لخطاب الثّورة الّتي رأت كلّ الطّبقة السّياسيّة واحدةً، ورفضت التمييز بين مكوّناتها في شعارها الشهير “كلّن يعني كلّن”. يضاف إلى ذلك أنّها تجعل الكذب خطاباً مؤسّساً لوجود هذه الطبقة، الأمر الذي يسمح تالياً بالتّوجه إليها كتلةً واحدةً موحّدةً، يشكّل الكذب معالم وجودها وأسلوب عيشها والطّريقة الّتي تقارب من خلالها الشّأن العام بكلّ ملابساته.

تبدأ الأغنية بما يحدّد الجوّ العام ويشرح الأسباب الّتي أوجبت الإهداء إلى الوزراء والزّعماء، وتقول كلماته: “في وزرا وزعما بلبنان، نوّابن بالبرلمان، بدي عيّدهن وقلّن، بعيدن بأوّل نيسان”

بعد التّحديد تنتقل الأغنية إلى التّهنئة بهذا العيد على طريقتها قائلة: “هابي بيرذداي تو يو، الشعب جوّعتوه”، قبل أن تنتقل إلى عرض تفاصيل ما جرى ويجري في البلاد، واضعةً إياه تحت سقف الاحتقار والازدراء المكرّس في صيغة البصاق وتلويناتها المتعددة، الّتي تُركّب عليها قافية مناسبة خدمةً لأهداف السّخرية السّوداء والاحتقار المفتوح.

تحت سقف “تفه تفه تفوه” و”تفه تفه تفيه” تتراءى كلّ سلوكيات السلطة عارية ومنسوبة إلى فاعليها الأصليّين مباشرة ومن دون مواربة. وكأنّ الهدف من إطلاق الأغنية الآن هو التّأكيد على أنّ ما يحدث ليس بلا فاعلين – مجرمين، وأنّه ليس من بضاعة القدر أو مجرّد حادث عشوائيّ، بل إنّ وضوح مرتكبيه والمسؤولين عنه يفرض مواجهة مفتوحة وحاسمة.

الدّفع بالاحتقار إلى الواجهة واعتباره مدخلاً للتعامل مع صنّاع المآسي يعلن قبل كلّ شيء موقفاً راديكاليّاً وحاسماً.

تحت سقف “تفه تفه تفوه” و”تفه تفه تفيه” تتراءى كلّ سلوكيات السلطة عارية ومنسوبة إلى فاعليها الأصليّين مباشرة ومن دون مواربة

يتضمّن عرض الكوارث وتعدادها، والحرص على إظهار شمولها لكلّ منافذ العيش والاقتصاد، دعوةً لنبذ الخوف والتّحريض على القيام بردّة فعل.

من هنا تمثّل هذه الأغنية محاولة لإعادة وصل فنّ الغناء بالمضامين الثّقافيّة المشتركة من خلال التّخاطب من داخل الكارثة ومن قلبها، مستخدمةً ما يعرفه الجميع على أنّه مشترك وعامّ لناحية تأثيراته، ولذا يجب أن تكون الثورة عليه عامّةً ومشتركة.

تلعب الأغنية هذا الدّور الثّقيل بخفّة البناء الموسيقيّ والغنائيّ السّهل والبسيط والمبنيّ على إيقاعات سريعة وكلمات سهلة قابلة للحفظ والتّكرار والاستعمال.

أقرب توصيف ممكن لحالتها هو توصيف “أغنية الجيب”، إذا صحّ التّعبير، أي الأغنية الّتي ترافق الناس في حياتهم اليوميّة وتصفها وتعبّر عنها ولا تستعلي عليهم، لا من ناحية البناء الفنّيّ ولا من ناحية الكلمات، بل تقدّم نفسها وتستمدّ شرعيّتها من كونها ناطقة بلسان أحوالهم.

وبعد أن شهدت السّاحة الثّقافيّة والفنيّة حالة عجز عن مواكبة الأحداث والتّعاطي معها، ومواكبتها وتقديم خطاب يمكن للناس توظيفه.

إقرأ أيضاً: “فاكهة غريبة”: الأغنية التي صارت نشيداً وطنياً للسود

تأتي أغنية أول نيسان لتسدّ الفراغ الكبير في هذا المجال. ويسجّل لها السّعي إلى تحقيق أمرين: الأوّل هو الدّفاع عن دور الفنّ في الحياة العامّة وتأكيده بعدما بات هذا الدّور متقلّصاً وغائباً، أو مسيطَراً عليه وعاجزاً عن اللّحاق باللّحظة في أحسن الأحوال.

الأمر الثّاني هو تقديم خريطة طريق أو اقتراحٍ للناس يقضي بالشّروع في مقاربة الشّأن العام من بوابة الاحتقار، والدفع بوظيفة الاحتقار إلى الواجهة كخطاب طارد للخوف، ومؤسّس لثقافة جديدة في مقاربة مسائل الحقّ والحرّيّة والمحاسبة وتحديد المسؤوليّات.

لقد أعلنت بنفسها هذا العنوان العريض في جلّ مقاطعها، خصوصاً في مقطعها الختاميّ الّذي يقول: “تفه تفه تفوه، البلد عتّمتوه، شبعتو وجوّعتوه، شربتو وعطّشتوه، عتّمتو وتركتوه بديونو غرقان”.

إنها أغنية الاحتقار الشّامل والمفتوح في مواجهة الجريمة المفتوحة.  

 

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…