برز في البلاد تصعيدان يتّصلان برئاسة الجمهورية، وهما خفيفا الظلّ حتّى اللحظة، لكنّ ظلالهما مرشّحة لتكبر في الأسابيع والأشهر المقبلة:
1- التصعيد الأوّل يقوده حزب الله، الذي بدأ يلوّح بمرشّحه سليمان فرنجية، باعتباره مرشّحاً نهائياً. وسيبلغ التصعيد أشدّه إذا قرّر أن يسير به مع كاسحة ألغام سياسية، كما فعل مع ترشيح ميشال عون، حين عطّل تكوين السلطة لعامين ونصف عام، كرمى لعيون “الجنرال”. ولم يفتح اللعبة السياسية إلا حين “استسلم” الجميع أمام مرشّحه، من بيت الوسط إلى معراب، مروراً بزغرتا.
2- التصعيد الثاني جاء من بكركي، آخر القلاع السيادية الصامدة في المشرق العربي بوجه التغوّل الإيراني على مدن العرب وبلادهم. فقد ردّ البطريرك الماروني بشارة الراعي على دعوة الرئيس نبيه برّي إلى الحوار، بالرفض، وبالتصعيد، إذ دعا إلى عقد مؤتمر دولي خاصّ بلبنان ما دام الاتّفاق على انتخاب رئيس للجمهورية غير ممكن.
يقف لبنان اليوم أمام تصعيدين قد يتسبّبان بزلزال بفعل تصادم الصفائح التكتونية الأساسية في البلد. البديل هو تماسك صفوف المعارضة السيادية للحزب، ضمن معركة سياسية واضحة العناوين
يتزامن هذان التصعيدان مع تراجع الحزب عن “مخطّط” تغيير الدستور. على الأقلّ في العلن. إذ أعلن نائب الأمين العامّ للحزب نعيم قاسم أنّ حزبه لا يسعى إلى تغيير اتفاق الطائف. جاء ذلك بعد يوم واحد على “مؤتمر الطائف 33” الذي نظّمته السفارة السعودية في الأونيسكو، وبعد أيام من إعلان المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان أن لا أحد يريد تغيير الطائف، وبعدما توجّه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب إلى دار الفتوى، حيث وقّع مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على بيان مشترك ينصّ على التمسّك باتفاق الطائف.
في المقابل، قد يفسح أيّ مؤتمر دولي، مثل الذي دعا إليه الراعي، المجال أمام بعض القوى لتطرح إمكان تغيير الطائف أو تعديل بعض بنوده. وهنا تكون البلاد قد دخلت مساراً الجميع في غنى عنه.
تزخيم التصعيد
بعد كلام الراعي، زاد الحزب من منسوب التصعيد، فأعلن رئيس كتلة الحزب النيابية محمد رعد أنّه “لن يقنعنا أحد برئيس يكون خادماً للّذين يحضنون إسرائيل”، في حين دعا الأمين العام للحزب إلى انتخاب رئيس “لا يخاف ولا يُباع ولا يُشترى.. بـ50 و100 مليون دولار.. ولا يطعن المقاومة في ظهرها”.
تدفع هذه الوقائع، عطفاً على التصعيد الإقليمي، حزب الله إلى التمسّك أكثر بمرشّحه، وإسقاط محاولات التوافق على شخصية وسطية، ما لم يكن هناك حسن إدارة للمعركة الرئاسية، على الصعيد السياسي أوّلاً، وعلى الصعيد النيابي ثانياً.
قد يجد حزب الله أنّه مضطرّ إلى تبنّي خيار فرنجية علانية. وعندئذٍ يصبح من شبه المستحيل إعادته عن هذا القرار، وهذا ما قد يضع البلاد أمام احتمال من اثنين:
– إطالة أمد الفراغ والانهيار وصولاً إلى مؤتمر تأسيسي تفرضه الوقائع.
– اقتناع الآخرين بالسير بمرشّح حزب الله، كما حصل في عام 2016، فتكون الخسارة قد وقعت.
قد يفسح أيّ مؤتمر دولي، مثل الذي دعا إليه الراعي، المجال أمام بعض القوى لتطرح إمكان تغيير الطائف أو تعديل بعض بنوده. وهنا تكون البلاد قد دخلت مساراً الجميع في غنى عنه
كيف نستفيد من الماضي؟
لا بدّ من خلق مقاربة جديدة للتعاطي مع هذا الاستحقاق. وهناك عوامل كثيرة يمكن الارتكاز عليها:
– أوّلاً، اعتراض كلّ المسيحيين على خيار فرنجية.
– ثانياً، اعتراض قوى أخرى على ترشيحه.
– ثالثاً، موقف جبران باسيل الذي ينطوي على أسباب شخصية تدفعه إلى معارضة دعم فرنجية، علماً أنّ باسيل لا يمتلك غير قوّة دفع حزب الله، وينطلق من موقع قوّة باعتباره الوحيد الذي يوفّر للحزب الغطاءين المسيحي واللبناني.
وهنا لا بدّ من العودة إلى تجربة عام 2005: بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تمّ استيعاب حزب الله سياسيّاً، فخسر الانتخابات، وتشكّلت حكومة موالية لخصومه لم يكن لديه فيها الثلث المعطّل. جاء ذلك كلّه في سياق الاستفادة من زخم الحدث – الزلزال، وبفعل إدارة سياسية واضحة لذاك المسار. يجدر التذكير أنّ التيار العوني كان معزولاً حكومياً فلم يشارك في تلك الحكومة، على الرغم من النتائج التي حقّقها في الانتخابات النيابية.
إقرأ أيضاً: الحزب يحاور فرنسا: همّها “مسيحيّ”.. وبكركي لا تمانع انتخاب فرنجيّة
يقف لبنان اليوم أمام تصعيدين قد يتسبّبان بزلزال بفعل تصادم الصفائح التكتونية الأساسية في البلد. البديل هو تماسك صفوف المعارضة السيادية للحزب، ضمن معركة سياسية واضحة العناوين، في الداخل والخارج، للوصول إلى انتخاب رئيس جمهورية “وسطي”، إذ يبدو أنّ العرب لن يقتنعوا برئيس لحزب الله مقابل رئيس حكومة “عالوعد يا كمّون”.