لا بدّ من الانتظار حتى عام 2027 لمعرفة الحقيقة الكاملة للشخصيّة التي تُعتبر من أهمّ الشخصيات الأميركية في القرن العشرين، وهي شخصية مارتن لوثر كينغ. كان كينغ بطل حركة مقاومة التمييز العنصري ضدّ الأميركيين الذين يتحدّرون من أصول إفريقيّة. كان قسّيساً. وقد أدّت حركته إلى تغيير جذري في المجتمع الأميركي تجسّد فيما بعد في وصول أوّل رئيس من أصول إفريقية إلى البيت الأبيض، وهو باراك أوباما، ثمّ في وصول نائبة للرئيس تتحدّر من أصول آسيوية هي كامالا هاريس.
الاستخبارات الأميركيّة تُحصي أنفاس لوثر كينغ
كانت وكالة المخابرات الأميركية تتعقّب لوثر كينغ وتُحصي عليه أنفاسه لأنّها كانت تعتقد أنّ حركته تشكّل خطراً على المجتمع الأميركي. ولم تكن التهمة الموجّهة إليه هي مكافحة التمييز العنصري، بل التعامل مع الاتحاد السوفييتي ومع خلايا شيوعية أميركية محلّية نائمة، وهو ما يشكّل خطراً على الأمن القومي. وقد حصلت الوكالة على إذن استثنائي خاصّ من إدارة الرئيس جون كينيدي نفسه، ومن شقيقه روبي الذي كان يشغل منصب وزير العدل، للتجسّس على حياة لوثر كينغ الخاصّة وعلى نشاطاته العامّة على مدى 24 ساعة في اليوم.
مات كينغ اغتيالاً. لكنّ الحقائق التي تتعلّق بدوره وحياته الخاصة وحتى باغتياله لا تزال سرّاً. وستبقى كذلك حتى عام 2027. ذلك أنّه في عام 1992 صدر قانون أميركي ينصّ على أن تبقى جميع الملفّات والقضايا المتعلّقة باغتيال الرئيس جون كينيدي سرّية ومحفوظة لمدّة 25 سنة، أي حتى شهر تشرين الأول 2027. وتقع قصّة كينغ في هذا الإطار. غير أنّ عملاء المخابرات الذين تجسّسوا عليه، وجمعوا الوثائق المسجّلة والمصوّرة عن حياته الخاصّة، سرّبوا بعض هذه المعلومات أخيراً، مفجِّرين زلزالاً سياسياً – اجتماعياً في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة انتعاشاً للحركات العنصرية من جديد.
المؤرّخ الأميركي ديفيد غاردو لم يشأ الانتظار حتى عام 2027 للاطّلاع على الوثائق السرّية وكشفها. فقد عرف طريقاً خلفيّة للوصول إليها، أو إلى بعضها على الأقلّ
التهمة الجاهزة.. الشيوعيّة
من خلال اتّهامه بالشيوعية، حصل جهاز الـ”إف.بي.آي” على إذن خاصّ واستثنائي بالتجسّس عليه حتى في غرفة نومه، وتسجيل كلّ الوقائع بالصوت والصورة. كان كينغ قسّيساً متزوّجاً، لكنّه كان يحبّ النساء من خارج الزواج. وفي التسجيلات، التي سرّبت المخابرات بعضاً منها، وقائعُ مصوّرةٌ تتعلّق بهذا الأمر، أهمّها واقعة تتّهمه باغتصاب راهبة من العاملات في كنيسته. وفي تقارير المخابرات أيضاً أنّ مقرّبين منه كانوا يعدّون له لقاءات خاصة مع غانيات في منتجعات وفنادق خارج المدن وبأسماء مستعارة. إلا أنّ المخابرات كانت تعرف ذلك وتسبقه إليها حيث تزرع أجهزة التسجيل والتصوير فيها لجمع الأدلّة تحت ذريعة أنّه “يتعامل مع الشيوعيين”.
حاول جهازا المخابرات الـ”إف.بي.آي” والـ”سي.آي.إيه” فيما بعد تسريب هذه التسجيلات لإجهاض حركة كينغ من خلال الطعن بشخصيّته. ولكن في تلك الفترة كان الرأي العام الأميركي يعرف الكثير أيضاً عن العلاقات الجنسية في البيت الأبيض (قصص مارلين مونرو مع الرئيس كينيدي وشقيقه) ويتداول الأحاديث عنها سرّاً وعلانية، ولذلك أدرك جهاز المخابرات أنّ الإضاءة على قصة كينغ لن تكون أكثر من ضوء شمعة أثناء نهار مشمس من أيام الصيف!! صحيح أنّ كينغ كان قسّيساً ومتزوّجاً، إلا أنّ كينيدي كان رئيساً ومتزوّجاً أيضاً.
لكنّ المؤرّخ الأميركي ديفيد غاردو لم يشأ الانتظار حتى عام 2027 للاطّلاع على الوثائق السرّية وكشفها. فقد عرف طريقاً خلفيّة للوصول إليها، أو إلى بعضها على الأقلّ، ونشرها في كتاب عنوانه “قصّة حياة لوثر كينغ” حصل بفضله على جائزة أفضل كتاب أميركي، ويروي فيه قصّة العلاقة بين كينغ والـ”إف.بي.آي”.
إقرأ أيضاً: غاز المتوسّط يتعدّى تقسيمات سايكس – بيكو
أمّا الذي سيبقى سرّاً من خفايا تلك القصّة حتى عام 2027، فهو التسجيلات الصوتية التي جمعتها المخابرات الأميركية عن اللقاءات السرّية لمارتن لوثر كينغ مع “الخلايا الشيوعية” النائمة.. التي تبيّن أنّها لم تكن شيوعية ولا نائمة!!