يكاد يكون حراك السفير السعودي في لبنان وليد البخاري أحد الأسباب الرئيسية في انتشار مرض الضغط* لدى بعض السياسيين.
حروب الممانعة
لا تكاد تمرّ زيارة أو لقاء للسفير البخاري في مكتبه أو منزله، أو حتى في قرية بأقاصي لبنان، من غير أن يشنّ سياسيون وإعلاميون ينتمون إلى ما يُسمّى محور الممانعة حربَ داحس والغبراء عليه، حتى يُخيّل للمتابع أنّ أرباب هذا المحور هدفهم سجن السفير البخاري في منزله أو مكتبه.
إن التقى وفوداً سنّيّة أشاعوا أنّه يُعدّ لفتنة مذهبية. وإن استقبل وفوداً مسيحية ادّعوا أنّه يقلّب المسيحيين على شركائهم في الوطن. وإن استضاف شخصيّات شيعية قالوا إنّه يتآمر على الحزب وسلاحه.
ينفّذ السفير البخاري بكلّ تأكيد توجيهات القيادة السعودية وحكومتها، لكن ممّا لا شكّ فيه أنّ شخصية السفير البخاري أعطت لهذه التوجيهات حميميّة الأخوّة التي تربط البلدين
ثوابت السعودية
ما قاله ويقوله وسيقوله السفير البخاري أمام كلّ مَن التقاهم بتنوّعهم الطائفي والسياسي في كلّ تلك اللقاءات والجولات، التي لن تتوقّف بل ستتصاعد في الأيّام المقبلة، هو نفسه، لم يُبدّل كلمة واحدة فيه، ويمكن اختصاره بأربع نقاط:
1- المملكة العربية السعودية لم تتخلَّ ولن تتخلّى عن لبنان واللبنانيين.
2- لا تعاون مع أيّ فاسد. فما طُبّق بالمملكة بوجه الفاسدين لن تفعل المملكة ما يناقضه في بيروت.
3- الانتخابات الرئاسية شأن لبنان، والمملكة ستتعامل مع نتائجها، ولا دخل لها بأسماء المرشّحين ولا بالتجاذبات.
4- المملكة حريصة على سُنّة لبنان، وحريصة أيضاً على التعاون مع كلّ اللبنانيين بمختلف توجّهاتهم ومذاهبهم.
حرص السفير البخاري في كلّ اللقاءات، وتحديداً لقاءات مبادرة “جسور” التي تجاوزت حتى تاريخ كتابة هذا المقال 20 لقاءً، على ذكر تجديد وتأكيد الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد ورئيس مجلس الوزراء على ضرورة أن تصل المساعدات الإنسانية الى كلّ اللبنانيين، والمكان الذي يصعب على السعوديين الوصول إليه لأسباب أمنيّة، فلتُرسل المساعدات عبر الجانب الفرنسي الشريك في برنامج المساعدات.
الحقد والضغط
ينفّذ السفير البخاري بكلّ تأكيد توجيهات القيادة السعودية وحكومتها، لكن ممّا لا شكّ فيه أنّ شخصية السفير البخاري أعطت لهذه التوجيهات حميميّة الأخوّة التي تربط البلدين، إن لسِعة اطّلاعه على تاريخ لبنان ونتاجه الفكري والفنّي، أو لجهة شبكة العلاقات الإنسانية التي يبنيها مع الشخصيات اللبنانية الشعبية وغير الشعبية، وهو ما لم يفعله سفير عربي أو أجنبي من قبله.
لم يتصرّف البخاري كسفير دولة، مهمّته نقل الرسائل الرسمية بين دولته والدولة المضيفة، ولا المشاركة باسم دولته في المناسبات الرسمية، بل تصرّف مع لبنان واللبنانيين على أنّه واحد منهم، حريص على مصالحهم، والحفاظ على استقرار بلدهم، يؤمن بلبنان وتفوُّق اللبنانيين وتميزهم.
نعم، السفير البخاري أحد أسباب تفشّي مرض الضغط عند بعض السياسيين بسبب حقدهم وسوء نيّتهم وجهلهم واتّباعهم أجندات خارجية كلّ ما فيها لا وجود لمصلحة لبنان فيه.
إقرأ أيضاً: التحرّكات الدبلوماسيّة في الشرق الأوسط: ضرورات أم خيارات؟
كانت المملكة العربية السعودية وستبقى وستستمرّ مع لبنان. هذا ما يجب أن يدركه الجميع، وهذا ما يقوله البخاري للجميع، ليس لأنّ لديها مطامع في لبنان، بل لأنّها حريصة على أن يبقى هذا البلد رسالة بين العرب وفي الشرق في التعايش والتسامح والإبداع.
يحتاج لبنان إلى عدّة مليارات لمعالجة أزماته الاقتصادية والنقدية، وإلى حصريّة السلاح بيد الشرعيّة لضمان الاستقرار وإسقاط الهيمنة على قراره، لكنّه أيضاً بحاجة إلى عشرة رجال لبنانيين يحبّون لبنان كما يحبّه وليد البخاري.
* هو مرض شائع يحدث عند حصول ضغط مستمرّ لوقت طويل على جدران الشرايين، ومن أهمّ أسباب الإصابة به هو زيادة معدّلات التوتّر النفسي وأعباء التفكير والعمل التي تؤثّر على نفسيّة الإنسان وأعضائه الحيويّة، وأهمّها القلب والأوعية الدمويّة.