ما عدت أطيق البقاء في لبنان وأطمح إلى الهجرة. عيشة الضنك التي نعيشها في هذا البلد باتت مُرّة كالحنظل. لا كهرباء ولا محروقات ولا مياه… وإن وُجدت، فأثمانها باتت فوق طاقتي (وشبّاكي) على التحمّل.
أتطلّع إلى الرحيل، إلى التوجّه شرقاً عملاً بدعوة “سماحة العشق”، وأرغب في الهجرة إلى إيران، أرض “العزّة والاقتدار” مثلما أخبرنا نائب الأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم قبل مدّة، يوم طالعنا بواسطة “المِغراد” في تغريدة بأنّ الأمور الحياتية في الجمهورية الإسلامية “عال العال”.
كهرباء غب الطلب
أتوق إلى كهرباء إيرانية شريفة نظيفة 24/24، لا تنفخ دخاناً أسودَ، ولا تملأ رئتيّ بالانبعاثات المسرطنة. هناك ربّما أستطيع أن أشغّل التكييف على درجة 16 وأنام قرير العين. أنام OhOh ولا أبالي. أشبك هاتفي الحذق في المقباس الكهربائي ولا آبه لدوام الاشتراك. لا أركض إلى المنزل حتى أملأ البطاريات 100/100 قبل فصل المولد.
في إيران يمكن لأمّ زهير أن تشغّل الغسّالة (حطّة أبيض، وحطة ملوّن) بالتزامن مع تشغيل سخّان المياه ومن دون المفاضلة بين هذا وذاك، فلا يتكّ الـ”ديجانتير”، فأقضيها طالع/نازل على السلالم.
ربّما أعود لعاداتي في مشاهدة التلفزيون بعد منتصف الليل، التي حرمونا إيّاها ها هنا (لا أعلم إن كانوا يعرضون الـ”إيز ميز” هناك… لعلّه ممنوع بس ماشي الحال!). أرغب بأنّ أستلّ جرّة غاز وأنزل بها إلى الدكّان، فأجد من يبيعني جرّة بلا كلفة وحسابات وضرب “أخماس بأسداس” من صنف: “مقطوع” أو “ما وصلنا” أو “يمكن يوصلنا بكرا”..
يحاول سماحته أن يخبرنا مواربةً أن ليس في طهران حسابات سياسية تعلو فوق المصلحة العامّة للشعب الإيراني، وربّما لهذا السبب ما زالت الخدمات موجودة
رحيل إلى طهران
سأترك كلّ شيء هناك وأرحل. سأبيع سيّارتي المرسيدس “القطش”، وأشتري بثمنها سيّارة من نوع “إيران خودرو” مع جنوطة 15، أطوف بها شوارع طهران، وأملأ خزّانها الطاهر بالبنزين (مدري المازوت لا أعلم) على الـFull، بلا عناء الانتظار في المحطّات والوقوف في طوابير الذلّ.
يقول الشيخ نعيم قاسم إنّ الكهرباء في إيران 24/24، وهذا صحيح على الأرجح، لأنّ طهران تخلو من عصابات المولّدات، وكارتيلات “سترنات” مياه الشفة والخدمة. لا “حلفاء” في طهران من قماشة جبران باسيل. ربّما لم تصل إلى طهران بعد ثقافة “الحليف المسيحي”. هم ليسوا بحاجة إليها من أجل تأمين الغطاء المسيحي للسلاح.
في طهران لا توزير للمستشارين الفشلة، مثل ندى البستاني وسيزار أبي خليل، ولا حاجة إلى ترشيح مثل هؤلاء إلى النيابة ودعمهم بالأصوات التفضيلية ولو على حساب مصلحة المواطنين ومستقبلهم.
يحاول سماحته أن يخبرنا مواربةً أن ليس في طهران حسابات سياسية تعلو فوق المصلحة العامّة للشعب الإيراني، وربّما لهذا السبب ما زالت الخدمات موجودة (أقلّه بحسب ما يخبرنا سماحته). لا باسيل إيرانيّ هناك ولا سمسرات بواخر ولا تعطيل استحقاقات ولا وعود فارغة، ولا “عهد قويّ” ودعوات إلى الهجرة إلى “جهنّم”، ولا طموحات توريث ولا “حقوق مسيحيين” ولا مَن يحزنون وينحبون…
رياض سلامة إيران
يقول الشيخ نعيم قاسم إنّ فاتورة الكهرباء الشهريّة تعادل 7 دولارات من عملة الشيطان الأكبر، أي ما يوازي 200 ألف تومان (مش توم واحد… اثنان)، وإنّ كلفة غاز التدفئة هي 50 ألفاً، أي ما يعادل 2 دولار، وهذا الشيء الوحيد الذي لم يُصِب فيه، إذ يبدو أنّه احتسب سعر صرف الدولار بنحو 28 ألفَ تومان، وهو سعر الصرف الرسميّ (سعر رياض سلامة الإيراني)، بينما السعر الفعليّ للدولار الواحد هو قرابة 42 ألفاً، حسبما تكشف أرقام الصرف على “النت”.
إقرأ أيضاً: مضاعفات كورونا “ما بعد العهد” أقوى
لعلّ الشيخ نعيم قاسم لم يخبرنا بذلك عن قصد، وربّما أغفله لدوافع الترويج السياحي والـMarketing، أو ربّما توجد في طهران أيضاً زحمة أسعار صرف، وهذا ما اعتدنا عليه.
أبشروا أيّها اللبنانيون. أنتم مخيّرون بين طهران و”جهنّم”… فما تختارون؟
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب