عصفورية القضاء: غادة والمطران والسوق الحرّة

مدة القراءة 4 د

يقول “الزميل” جورج أورويل: “المجنون هو فرد يكون أقليّة بين مجتمع يغايره في الرأي والفكر”. الأديب والروائي الفرنسي فيكتور هوغو يقول أيضاً عن الجنون: “أن تُعطي الحرّية لجاهل كأن تُعطي سلاحاً لمجنون”. أمّا المثل اللبناني الشعبي فيقول: “الجنون فنون”، لكنّ جنون القضاء عندنا في لبنان أثبت أنّه ليس ضرباً من ضروب الفنّ والفنون، وإنّما “تراند” أو صيحة من صيحات الموضة يفصّلها أحدهم ويخيطها بعناية مع كلّ موسم صيف/خريف، أو استحقاق نيابة/رئاسة، ليستعرض بواسطتها براعته في الـHaute couture، وقدراته الـunique (يلّي نفضنا) على تطويع أقمشة الساتان والمخمل والحرير والشيفون، ليعرضها على المشاهدين، ويغريهم بأزيائه وفساتينه المشخلعة و”النص كمّ”!

بلغ هذا الجنون منتهاه في الأيام القليلة الماضية، فرأيناه متجسّداً في 3 حالات (حتماً)، كادت تقول لنا صراحة إنّه لا قضاء في لبنان. لا قضاء ولا مَن يتقاضون، بل نحن أمام مجموعة من التُبّع للسلطة السياسية، وتحديداً في أغلب الأحيان لرئاسة الجمهورية، وصهرها جبران باسيل “يلي مخروب ميزانه” هذه الأيام، ولا يرى إلّا كرسي بعبدا (الخيزران). يراه ولا يرى سواه حتى لو دمّر المؤسّسات، وهدم التحالفات، وخرب التسويات، وهشّم التفاهمات… وكلّ هذا في سبيل أن يرفع عن نفسه العقوبات، فيسهّل وصوله إلى بعبدا خلفاً لحميه أبي البنات.

كشفت ثلاث حالات عرْي القضاء اللبناني وتبعيّته التي تُدار على الـRemote Control بلا أيّ خجل أو وازع. ذاك القضاء الذي يستخدم في أحكامه اسمنا زوراً، فيستهلّ قراراته بكتابة: “باسم الشعب اللبناني”، بينما نحن لا علاقة لنا بأغلب أحكامه وأغلب قراراته، وإنّما يستخدمنا وقوداً لطبخات السياسيين والأحزاب والطوائف.

كشفت ثلاث حالات عرْي القضاء اللبناني وتبعيّته التي تُدار على الـRemote Control بلا أيّ خجل أو وازع

– الأولى هي استدعاء المدير العام لدائرة المناقصات جان العليّة بناء على إخبار قيل إنّ خلفيّاته الضغط على العليّة من أجل تعديل مناقصة “المنطقة الحرّة” في مطار رفيق الحريري الدولي، إذ ثمّة من يضغط من أجل إقحام مستثمر جديد هناك باللون البرتقالي الأزرق، أو البنفتحي.

– الثانية هي “الكبسة” التي نفّذتها المدّعية العامّة في جبل لبنان القاضية غادة عون على مصرف لبنان في بيروت، من أجل المشاركة في “مهرجان” محاولة القبض على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لكنّ الأخير أفشل مهرجان عون التي عادت أدراجها بـ”خفّي حُنين” خالية الوفاض و”إيد من ورا وإيد من قدّام”. لا بدّ هنا من استثناء هنا القاضي رجا حاموش، وقد حافظ على صلاحياته “البيروتية” التي لا ينافسه فيها أحد.

– الثالثة هي توقيف مطران صور والقدس وأراضي فلسطين والأردن موسى الحاج في منطقة الناقورة “متلبّساً”، ومحاولاً نقل الأدوية المقطوعة والمفقودة وبعض المساعدات العينية والمالية لأبناء الرعيّة، إذ يقال إنّ الأمن العام أوقفه حرصاً على سعر صرف الليرة، لأنّ الدولارات التي يجلبها الحاج من هناك هي “دولارات مقدّسة” قد تؤثّر على “المال النظيف”، ولأنّ بكركي “مش قاعدة عاقلة”، والضاحية “زعلانة منها”.

هذا كلّه عيّنة صغيرة عن الفوضى التي تحكم بلاد الأرز اليوم. échantillon بسيطة لحفلات الجنون اليومي في القضاء والمصارف والمؤسّسات والإدارات العامّة، حيث “كلٌّ يغني على ليلاه” مثلما يقول المثل العربي أيضاً.

إقرأ أيضاً: عون “نَفَخو”… وكَرَج الإصلاح

أمّا المثل الأبلغ الذي يحاكي كلّ ما سبق ذكره أعلاه، فيبقى ذاك المثل الروماني الشهير والمعبِّر، الذي يقول: “وعدُ السيّد أملُ المجنون”.

أيّ سيّد ومن هو المجنون؟ إنتو فسّروا ما إلي أيّ علاقة.

يدرى مين يعيش ويخبّر!

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب 

مواضيع ذات صلة

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…

الحرب الأهلية: هواجس إيقاظها بصورٍ كريهة

 اللغو اللبناني حول حظوظ البلد بارتياد آفاق حرب أهلية جديدة، ارتفع. قد يكون هذا الارتفاع على وسائل التواصل الاجتماعي سببه “شامت” بالوضع أو رافض لـ”الرفق”….

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…