يحتفل حزب الله في هذه الأيام بذكرى مرور أربعين عاماً على تأسيسه في حزيران من عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في ذلك العام. وقد تزامنت هذه الاحتفالات مع التهديدات الجديدة التي أطلقها الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصر الله ووجّهها إلى العدوّ الصهيوني، وانتشار نشيد الإمام المهدي “سلام فرمانده” والاحتفالات التي أُقيمت لإطلاقه. أثار كلّ ذلك نقاشات عديدة حول دور الحزب ومواقفه وتجربته خلال الأربعين عاماً الماضية إلى اليوم.
قليلة هي الدراسات والمقالات التي تحاول مقاربة تجربة الحزب بشكل موضوعي، بحيث تقدّم العناصر الموضوعية في هذه المسيرة السياسية والجهادية والثقافية والاجتماعية
مَن يطالع ما يُكتب عن الحزب ودوره ومواقفه يجد نفسه أمام نوعين من الكتابات والدراسات والمواقف:
– الأوّل تحريضي وهجومي يهاجم الحزب ويعتبره أداة إيرانية وحسب، وأنّه دمّر لبنان، ويحمّله مسؤولية الخراب الذي أصاب لبنان طوال السنوات الأخيرة.
– والثاني دعائي يعتبر أنّ الحزب هو الحامي للبنان بمقاومته، وأنّه حرّر الأراضي المحتلّة ويحمل مشروع الإنقاذ للبنان على كلّ المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مواجهة أطماع العدوّ الصهيوني والمجموعات الإرهابية.
قليلة هي الدراسات والمقالات التي تحاول مقاربة تجربة الحزب بشكل موضوعي، بحيث تقدّم العناصر الموضوعية في هذه المسيرة السياسية والجهادية والثقافية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه تطرح الأسئلة والإشكالات حول أدائه ودوره الحالي وفي المستقبل. مع العلم أنّه عُقِد العديد من المؤتمرات لفكّ شيفرة الحزب وفهم آليّات عمله، ونُشرت على مدار الأربعين عاماً الماضية آلاف الدراسات والأبحاث والكتب حول الحزب وتجربته والإنجازات التي حقّقها طوال هذه السنوات.
من أجل الوصول إلى منهجية لهذه التجربة المهمّة لا بدّ من العودة إلى بدايات تأسيس الحزب وظروف نشأته، فهو لم ينطلق من مشروع سياسي وفكري واقتصادي واجتماعي متكامل، بل بدأ بمجموعة من الشباب المؤمن والمسلم خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران من عام 1982. وكان هؤلاء الشباب ناشطين في اللجان الإسلامية وحزب الدعوة الإسلامية والاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين وحركة أمل الإسلامية، وانضمّ إليهم علماء دين من مختلف المناطق اللبنانية ومناضلون في حركة فتح وبعض التنظيمات الفلسطينية واليسارية. وقد لقي هؤلاء دعماً كبيراً من حرس الثورة الإسلامية في إيران والإمام الخميني ومن حركة فتح، ونجحوا في تطوير عملهم الجهادي خلال أشهر قليلة، وحقّقوا إنجازات مهمّة في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
نحتاج اليوم إلى إعادة مقاربة هذه التجربة، وفتح النقاش الواسع في ما حقّقته خلال الأربعين سنة الماضية، وفي التحدّيات التي تواجهها اليوم
الأصل اللبناني للتجربة
تطوّرت هذه التجربة الجهادية والمقاوِمة إلى عمل سياسي وشعبي واجتماعي خلال سنوات قليلة، وارتبطت بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكان الإعلان الرسمي عنها باسم حزب الله في الرسالة المفتوحة في 16 شباط من عام 1985، وخلال السنوات الأربعين تحولّت هذه المجموعة الشبابية من عمل جهادي مقاوم إلى حزب كبير وقوّة إقليمية ضخمة، ولعبت أدواراً مهمّة داخلية وخارجية، وأصبحت تمتلك القدرات الفكرية والسياسية والمؤسّساتية، ونالت دعماً إيرانياً كبيراً. لكنّها اعتمدت أيضاً على قدرات لبنانية مميّزة، ولولا هذه القدرات اللبنانية لَما نجحت إيران في تحقيق هذا الإنجاز المهمّ.
لذلك من الخطأ الكبير اعتبار هذه التجربة الجهادية والسياسية والفكرية والاجتماعية أداة إيرانية محضة، فهذه تجربة فكرية وإنسانية وأمنيّة واجتماعية وجهادية متنوّعة استفادت من تجارب مختلفة لبنانية وفلسطينية ويسارية وعربية، وشكّلت محوراً مهمّاً في العمل المقاوم وفي العمل السياسي، وكان لبعض العلماء اللبنانيين مثل المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله دور مهمّ في تطوير هذه التجربة السياسية والفكرية. واستفادت أيضاً من دور بقيّة العلماء الكبار كالإمام السيد موسى الصدر والإمام السيد عبد الحسين شرف الدين والإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين على الرغم من بعض الخلافات مع الأخير.
هذه تجربة شعبية لقيت احتضاناً لبنانياً وعربياً وإسلامياً كبيراً، وتفاعلت مع بعض الحركات العالمية المناهضة للعولمة. وهذا ما برز بوضوح في الوثيقة السياسية التي أُعلنت في عام 2009. وعلى الصعيد اللبناني تطوّرت هذه التجربة على صعيد نظرتها للكيان اللبناني ودورها وموقعها في هذا النظام. وقد أصبحت جزءاً أساسياً من هذا النظام وتركيبته الداخلية بإيجابياتها وسلبياتها. وهي تقف اليوم أمام محطات مهمّة تتّصل بدورها وموقعها في هذا النظام وعلاقاتها الداخلية والخارجية.
إقرأ أيضاً: الحزب وحُكمُ إعدام اللبنانيّين: الموتُ جوعاً.. أو حرباً
في ضوء كلّ ذلك نحتاج اليوم إلى إعادة مقاربة هذه التجربة، وفتح النقاش الواسع في ما حقّقته خلال الأربعين سنة الماضية، وفي التحدّيات التي تواجهها اليوم.
فهل مَن يتصدّى لهذا النقاش الموضوعي؟ أم نظلّ نقارب هذه التجربة، إمّا بسلبية مطلقة من دون رؤية الإيجابيات، أو بأسلوب دعائي بعيداً عن التقييم والنقد الحقيقي؟