فتحت المعركة الانتخابية الحامية على موقع نائب رئيس مجلس النواب، السياق السياسي للمعركة المفتوحة في المجلس النيابي. عمليّاً نجح حزب الله باتصالات وضغوط على حلفائه بجمع 65 صوتاً لنائب الرئيس الياس بو صعب. أراد حزب الله انتزاع الأكثرية ولو بمقعد هزيل لتحقيق نصر سياسي ومعنوي يمكن أن يبني عليه للمرحلة المقبلة. في المقابل، فإنّ خصوم الحزب بإمكانهم أيضاً أن يبنوا على 60 صوتاً لغسان سكاف مع 3 أوراق أخرى، اثنتان منهما بيضاوان، وورقة ملغاة.
يمكن لتوازنات المجلس الحالي أن تتغيّر في الاستحقاقات المقبلة. وأوّلها كيفية تشكيل الحكومة. أراد الحزب تكريس معادلة يمكن له استنساخها في معركة تسمية شخصية لرئاسة الحكومة وفرض آليّة تشكيلها. فيما يمكن لخصومه أن يتقاربوا أكثر لحرمانه من الخمسة والستّين صوتاً التي نالها بو صعب وحظي ببعض منها بناء على علاقات وحسابات شخصية مع الرئيس نبيه برّي.
يعمل حزب الله بكلّ قوّته على تكريس مبدأ الثلاثيّة، ومبدأ حكومة الوحدة الوطنية، وهما أمران مرفوضان من غالبية النواب والتكتّلات
كان للانتخابات آثار تغييرية على المعادلة السياسية في البلاد. أوّلها ضرب معادلة اتفاق الدوحة، وإلغاء مفاعيل الثلث المعطِّل، الذي تكرّس لمصلحة الحزب. والأهمّ من ذلك أنّ الحزب أصبح في واقع يحتاج فيه يوميّاً إلى مناداة النواب الجدد، ونواب مستقلّين عنه وعن القوى السيادية، وبعضهم في صلب القوى السيادية، إلى الالتقاء معه على تفاصيل داخلية تتعلّق بالسياسة اليومية وبالاقتصاد وخطط الإصلاح ومحاربة الفساد، مطالباً إيّاهم بالإقلاع عن البحث في مسألة سلاحه. وبالتالي يسعى الحزب إلى تأجيل السجال في موضوع السلاح، كما طلب أمينه العام، كي يُبقي على تكريس معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” في البيان الوزاري، التي كرّسها اتفاق الدوحة أيضاً. لكنّ هذا الأمر سيكون صعباً إلى حدود بعيدة.
يعمل حزب الله بكلّ قوّته على تكريس مبدأ الثلاثيّة، ومبدأ حكومة الوحدة الوطنية، وهما أمران مرفوضان من غالبية النواب والتكتّلات. يعود ذلك إلى الحركة التي قامت بها المملكة العربية السعودية على أكثر من صعيد، خارجي وداخلي، فقلبت معادلات الانتخابات النيابية ونتائجها. ولو كان التدخّل السعودي سابقاً لتشكيل اللوائح لكان بالإمكان الوصول إلى حوالى 80 نائباً من الذين لا يتمكّن حزب الله من التأثير عليهم. لكنّ أهمّ ما تحقّق بالنسبة إلى السعودية هو الإيحاء بأنّنا صرنا أمام استعادة اتفاق الطائف بدلاً من اتفاق الدوحة. وهو ما يتوجّب تكريسه في معادلة تشكيل الحكومة.
ماذا يقول الحزب؟
في أدبيّات الحزب السياسية سعيٌ أساسيّ إلى عدم الشعور بأنّه خارج المعادلة الحكومية. لذا أسرّت مصادر قريبة منه للزميل قاسم قصير في مقالته المنشورة أمس في “أساس”، بأنّ العودة عن “الثلث المعطّل” سيعيدنا إلى أجواء 5 أيّار”، في تهديد مباشر باستعمال السلاح للحفاظ على الثلث المعطّل، الذي انتزعه الحزب بقوّة السلاح في 7 أيّار 2008.
إذ يحرص الحزب أكثر من أيّ وقت مضى على التمثّل في الحكومة. ولذلك رفض في البداية مبدأ حكومة الاختصاصيين والمستقلّين، وجدّد أمينه العام موقفه الرافض لهذا النوع من الحكومات بعد الانتخابات النيابية. و”على كعب” الانتخابات، قبل صدور النتائج النهائية، هدّد رئيس كتلته محمد رعد بأنّ عزل الحزب يأتي في سياق “إسرائيلي”.
في هذا السياق لا بدّ من الإشارة إلى عدد من الملاحظات:
أوّلاً، تناسى الحزب انقلاباته التي قام بها لقلب الأكثريّات وتكريس حكومات اللون الواحد، منذ 7 أيّار 2008، وصولاً إلى انقلابه على الرئيس سعد الحريري في العام 2011 والذهاب إلى تشكيل حكومة القمصان السود التي فتحت الطريق أمام ضرب السنّيّة السياسية بعمقها.
ثانياً، يتناسى حزب الله الساعي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، أنّه أوّل من ضرب كلّ معاييرها حين ذهب إلى تكليف حسان دياب برئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة من اللون الواحد، مستبعداً كتلاً نيابية وازنة من التمثيل فيها. وهي حكومة اتّخذت قرارات سياسية وماليّة تتنافى مع الوجه التاريخي للبنان الاقتصادي والمالي، فضربت عمق علاقاته مع الخارج، وسرّعت في انهيار القطاعات المصرفية والتعليمية والطبية، في مشهد يحاكي الانهيارات في الدول والعواصم التي تدّعي طهران سيطرتها عليها أو احتلالها.
ثالثاً، يتعاطى حزب الله بازدواجية مع كلّ الاستحقاقات، وأهمّها تشكيل الحكومة، فعندما تميل الكفّة لمصلحته يحلّل لنفسه الذهاب إلى حكومة تشبهه وتواليه. وعندما يتكوّن تكتّل نيابي معارض له ولتوجّهاته يسعى إلى فرض ما يريده بالضغط والقوّة والسلاح أو بالتعطيل.
رابعاً، أهمّ ما يمكن تحقيقه بعد هذه الانتخابات، هو كسر قدرة حزب الله على دفع الكتل السنّيّة إلى السير في ما يتوافق مع مصالحه، وبالتالي كسر عرف تمّ تكريسه، سواء مع تيار المستقبل في منح الغطاء لكلّ ما يريده الحزب، أو كما حصل مع تسمية نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة الأخيرة، أو ما اقترفه نادي رؤساء الحكومة السابقين المنتهي الصلاحية في تغطية تسمية ميقاتي وتشكيل حكومة أعطت لحزب الله ما كان يريده.
خامساً، يمكن وصف الانتخابات بأنّها ثبّتت اغتيال قاسم سليماني سياسياً في بيروت، والخروج من اتفاق الدوحة. لكنّ ذلك سيردّ عليه حزب الله بالمزيد من التعطيل على غرار ما حصل في العراق. ويخشى مراقبون من أن يردّ عليه كما ردّ في العراق، بأعمال أمنية.
إقرأ أيضاً: بهدوء: حكومة الأكثرية… تعيدنا إلى مرحلة 5 أيّار 2008
سادساً، تشير كلّ الوقائع إلى أنّ الانتخابات النيابية أنتجت ثلاثة أثلاث قابلة للتغيّر وفق كلّ استحقاق، لكنّ الأكيد أنّه في معادلة تشكيل الحكومة لن يكون أيّ طرف قادر على تحصيل الثلث المعطِّل. فقوى الثامن من آذار مجتمعة ستحصل على الثلث، وليس الثلث زائداً واحداً، خصوصاً مع خسارة وزير درزي بفعل سقوط أرسلان، ومع خسارة وزير للحزب السوري القومي الاجتماعي ووزير لفرنجية. في المقابل، حصلت قوى 14 آذار سابقاً على ثلث المقاعد، والثلث الثالث نالته القوى المستقلّة والتغييريّة.