بعد بدء المجلس النيابي الجديد دورته العاديّة ستُطرح عدّة ملفّات ساخنة من أجل معالجة الأوضاع السياسية في لبنان وإنجاز الأهداف التي وضعتها بعض الكتل النيابية خلال المعركة الانتخابية، ومنها: تشكيل حكومة أكثرية، والعودة إلى تطبيق اتفاق الطائف، ووقف مفاعيل اتفاق الدوحة، ونزع سلاح حزب الله.
من أجل المساهمة بهدوء في هذا النقاش الساخن هذه بعض الآراء من وحي الواقع السياسي اليوم:
– أوّلاً: عن حكومة الأكثريّة:
كثرت الدعوات أخيراً إلى تشكيل حكومة أكثرية وعدم القبول بحكومة وحدة وطنية أو ديمقراطية توافقية تعطيلية، وذلك انطلاقاً من تطبيق أسس الديمقراطية الحقيقية ومن أجل تشكيل حكومة فاعلة ومنتجة. هذا الشعار قد يكون صائباً وعمليّاً لو أنّنا نعيش حقّاً في نظام ديمقراطي متكامل غير طائفي وغير توافقي. فنحن ما زلنا نطبّق الديمقراطية الطائفية التوافقية التي أرساها اتفاق الطائف بشكل مؤقّت، تمهيداً لإلغاء الطائفية السياسية وتشكيل برلمان غير طائفي وإنشاء مجلس شيوخ وتشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية. وبدون كلّ هذه الخطوات لا يمكن اعتماد ديمقراطية الأكثرية والأقلّية.
على أرض الواقع، وبشكل صريح وواضح، أفرز البرلمان الجديد تمثيل الطائفة الشيعية من خلال كتلتَيْ حزب الله وحركة أمل. فهل يمكن تجاوزهما في تشكيل حكومة جديدة؟ ومَن الذي يمثّل الطائفة الشيعية في الحكومة في حال عدم موافقة هذين الطرفين على ذلك؟ وهل يمكن تشكيل حكومة أكثرية من دون ممثّلين للطائفة الشيعية والقوّتين الشيعيّتين الأساسيّتين في البرلمان؟ ومن هي الأكثرية التي ستشكّل الحكومة الجديدة؟ وهل ستتّفق القوى السياسية المختلفة على هذه الحكومة في ظلّ التباينات فيما بينها؟
كثرت الدعوات أخيراً إلى تشكيل حكومة أكثرية وعدم القبول بحكومة وحدة وطنية أو ديمقراطية توافقية تعطيلية، وذلك انطلاقاً من تطبيق أسس الديمقراطية الحقيقية
– ثانياً: العودة إلى اتّفاق الطائف ووقف مفاعيل اتّفاق الدوحة:
يطرح البعض ضرورة العودة إلى اتّفاق الطائف ووقف مفاعيل اتفاق الدوحة الذي تمّ التوصّل إليه بعد أحداث 7 أيار من العام 2008، والذي بموجبه تشكّلت حكومات الوحدة الوطنية وجرت انتخابات رئاسة الجمهورية التي أوصلت العماد ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية آنذاك وجرى الاتفاق على العودة إلى قانون الستّين للانتخابات بعد تعديلات محدودة، وفي ضوئه جرت انتخابات العام 2009 النيابية وتشكّلت حكومة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة.
طبعاً المقصود بالعودة عن اتفاق الدوحة عدم تشكيل حكومة وطنية ورفض إعطاء الثلث الضامن لأيّ فريق سياسي. أمّا العودة لاتفاق الطائف فهو شعار يطرحه الجميع. وإذا كان هذا هو المطلوب فيجب وضع آليّة محدّدة لتطبيق الاتفاق بشكل كامل وليس بشكل جزئي.
الخلاصة اليوم أنّ أيّ حكومة لا تنال موافقة الأطراف الأساسية في البرلمان، خصوصاً حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المردة وحلفاءهم من النواب المستقلّين، ستكون حكومة عرجاء وغير قادرة على الحكم وتطبيق قراراتها في ظلّ مرحلة صعبة تتطلّب قرارات غير شعبية. وكلّ ذلك سيعيدنا مجدّداً إلى مرحلة الخامس من أيار 2008 وسيُدخل البلاد في أزمة سياسية وشعبية وتوتّرات أمنيّة كبيرة.
– ثالثاً: شعار نزع سلاح حزب الله أو إقامة محميّة أمنيّة برعاية دوليّة في مناطق لبنانية محدّدة وغير ذلك من الشعارات الاستفزازية:
لن تحقّق هذه الشعارات والطروحات أيّ نتيجة عملية، بل ستزيد الانقسامات الداخلية والأجواء الطائفية والمذهبية في ظلّ معلومات جديّة غير مؤكدة من أكثر من مصدر عربي ودولي أنّ هناك خطّة من أجل استهداف الطائفة الشيعية وعزلها وتهجيرها أو تدمير مناطقها، وإدخال حزب الله ومَن يدعمه في حرب أهليّة مع قوى سياسية وحزبية وتحويله إلى ميليشيا بدلاً من أن يكون قوّة مقاوِمة. وللأسف قد تجد هذه الطروحات دعماً لها من قبل بعض أصحاب الرؤوس الحامية داخلياً وخارجياً.
إقرأ أيضاً: التغيير: ماذا سيفعل في “آليات” الحكم؟
لذا لا بدّ من الهدوء والتأنّي في طرح الشعارات، وإذا كان البعض يعتبر أنّ سلاح حزب الله هو سبب مشاكل لبنان، وبغضّ النظر عن صحّة هذه المقولة، فالمطلوب الحوار والمناقشة بهدوء في هذه الإشكاليّات، والدعوة إلى اعتماد استراتيجية دفاعية جديدة بعد تشكيل حكومة جديدة، ومعالجة التحدّيات الطارئة والسريعة بدل الدخول في سجالات لا تسمن ولا تغني من جوع.
نحن أمام مرحلة خطيرة جدّاً، وهناك مخاوف جدّية في بعض الأوساط السياسية والدبلوماسية والأمنيّة من وجود جهات تحرّض على العودة إلى حرب أهليّة جديدة، والمطلوب عدم رمي الزيت على النار، ومعالجة مشاكلنا بهدوء وعبر الحوار الحقيقي بدل طرح شعارات غير واقعية.