من أطرف الأخبار وأكثرها ظرفاً الإعلان عن وصول بعثة أوروبيّة إلى بيروت لمراقبة سير الانتخابات اللبنانيّة المتوقّعة الأحد المقبل. لن تقدّم البعثة الأوروبيّة ولن تؤخِّر. سيتحدّث المراقبون الأوروبيون، بعد إجراء الانتخابات، عن سيرها سيراً طبيعيّاً مع وجود بعض الملاحظات. لكنّ النظرة العامّة ستكون إيجابيّة وستصبّ في خدمة “حزب الله” الذي يسعى إلى استخدام الانتخابات لتأكيد أنّه يمثّل أكثرية الشعب اللبناني، وأنّ شرعيّته تنطلق من الانتخابات وليس من سلاحه المذهبي الموجّه إلى المواطنين العزّل، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعيّة.
سيكون الأوروبيون وغيرهم، مرّة أخرى، شهود زور وحسب على انتخابات نيابيّة تجري في ظروف غير طبيعية في بلد واقع تحت الاحتلال ومنهار كلّيّاً بعد فقدانه كلّ مقوّمات وجوده.
مؤسف أن ليس في العالم الغربي من يريد التمعّن في المشهد اللبناني وحقيقة الانتخابات التي لن تكشف أكثر من أنّ بين اللبنانيّين مَن لا يزال يقاوم، بل بين اللبنانيين مَن يدرك المراحل التي مرّ فيها البلد… وصولاً إلى تحديد موعد للانتخابات خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني. نجح هذا المشروع في لبنان أكثر ممّا نجح في أيّ دولة أخرى من دول المنطقة.
لن يرى الأوروبيون سوى جانب من الانتخابات. إنّه الجانب المتمثّل في توجّه مواطنين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم بكلّ حرّيّة في انتخابات مزوّرة سلفاً
لا يعني هذا الكلام الاعتراض على إجراء الانتخابات في موعدها بمقدار ما يعني رفض تجاهل الظروف التي أحاطت وما تزال تحيط بالانتخابات. في مقدَّم هذه الظروف القانون الانتخابي المعمول به الذي وُضع على قياس “حزب الله” من جهة، وكي يتمكّن جبران باسيل، صهر رئيس الجمهوريّة، من ضمان مقعد له في مجلس النوّاب من جهة أخرى.
ماذا يعني قانون للانتخابات ليس معروفاً رأسه من قدميه يتحدّث عن نسبيّة في بلد لا حياة حزبيّة فيه يجد فيه كلّ مرشّح أنّ عليه التنافس مع مرشّح آخر موجود على اللائحة ذاتها. أكثر من ذلك، كيف تكون هناك انتخابات في بلد يسيطر “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، عليه عموماً وعلى مناطق محدّدة خصوصاً. ليس مسموحاً في المناطق التي تحت سيطرة “حزب الله” نجاح أيّ مرشّح شيعي من خارج بيئة الحزب. سيكون لدى الحزب، في غياب معجزة، 27 نائباً شيعيّاً من أصل 27، وذلك تحت تسمية “الثنائي الشيعيّ”!.
لن يرى الأوروبيون سوى جانب من الانتخابات. إنّه الجانب المتمثّل في توجّه مواطنين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم بكلّ حرّيّة في انتخابات مزوّرة سلفاً. هذه انتخابات تجري في بلد رئيس جمهوريّته ميشال عون فيما يحكمه فعليّاً الأمين العامّ لـ”حزب الله” حسن نصرالله الذي يلجأ هذه الأيّام، لتبرير وجود السلاح غير الشرعي، إلى الراحل السيّد موسى الصدر الذي غُيّب في ليبيا في ظروف غامضة في أثناء زيارة لها في أواخر آب من العام 1978. فات حسن نصرالله أنّ الإمام الصدر، رئيس المجلس الشيعي الأعلى، كان في مرحلة ما قبل اختفائه في ليبيا، بواسطة معمّر القذافي، يشكو من السلاح غير الشرعي الفلسطيني في جنوب لبنان!
هناك في لبنان قانون للانتخابات أُقرّ في العام 2017، في وقت كان فيه سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء للأسف الشديد. يشكّل القانون تتمّة طبيعية لجريمة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة.
كان ميشال عون مرشّح “حزب الله” للرئاسة، وقد فُرض على اللبنانيين فرضاً بعدما أغلق “حزب الله” مجلس النوّاب سنتين وخمسة أشهر، وذلك من أجل تخيير اللبنانيين بين أمرين: إمّا يكون ميشال عون، الذي اختبره الحزب طوال عشر سنوات، رئيساً… وإمّا الفراغ. يتبيّن بعد كلّ ما حلّ بالبلد، منذ أصبح للبلد رئيسان للجمهوريّة (ميشال عون وجبران باسيل) بدل رئيس واحد، أنّ الفراغ كان أفضل.
كلّ ما في الأمر أنّ تفادي الفراغ في العام 2016، لن يكون في الإمكان تفاديه في العام 2022. لن يكون ممكناً تفادي الفراغ بعدما بات “حزب الله”، ومن خلفه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران، يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة. هذا الرئيس هو رئيس الدولة المسيحي الوحيد في طول القوس الممتدّ من إندونيسيا إلى موريتانيا…
في النهاية، يمتلك “حزب الله” وحده قرار الحرب والسلم في لبنان. كذلك، حوّل لبنان إلى قاعدة إيرانيّة وساحة تفعل فيها “الجمهوريّة الإسلاميّة” ما تشاء. لا يؤكّد ذلك وجود سلاح “حزب الله” وحسب، بل الوجود الحوثيّ فيه أيضاً ومباشرة انتقال قادة “حماس” إليه من تركيا. هل اللبنانيون على علم بمدى أهمّيّة بيروت بالنسبة إلى الحوثيين؟
من هذا المنطلق، لن تكون الانتخابات سوى حلقة أخرى من حلقات الانقلاب الكبير الذي نفّذه “حزب الله” بغطاء من النظام الأقلّويّ في سوريا في 14 شباط 2005 عندما جرى التخلّص من رفيق الحريري عن طريق التفجير. لا حاجة للإشارة إلى ما استتبع اغتيال رفيق الحريري ورفاقه من أجل تغطية الجريمة… وصولاً إلى جريمة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة تمهيداً لإقرار القانون الحالي للانتخابات وطرح موضوع المؤتمر التأسيسي، وهو مؤتمر مؤجّل يعني التخلّص من اتفاق الطائف نهائيّاً.
إقرأ أيضاً: السلاح أقوى من الانتخابات
متى الحلقة الأخيرة في المسلسل الانقلابي الذي يمرّ فيه لبنان منذ ما يزيد على 17 عاماً؟ المخيف أنّ العالم، خصوصاً العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركيّة، المنشغل بأوكرانيا لا يريد السماع بلبنان. ما هو مخيف أكثر أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران محتاجة أكثر من أيّ وقت للإمساك بقوّة بالورقة اللبنانيّة في ضوء المتاعب التي تواجهها في العراق وسوريا واليمن، وبعد فشلها في قلب النظام في مملكة البحرين.
كان الله في عون لبنان بانتخابات أو من دون انتخابات، خصوصاً أنّ مصيره صار مطروحاً في منطقة ليست معروفة الصيغة التي سترسو عليها… في يوم من الأيّام.