هل تُغيّر الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة شيئاً أم قضى “العهد القويّ” بفضل الإنجازات التي حقّقها رئيس الجمهوريّة ميشال عون وصهره جبران باسيل على أيّ أمل في إعادة إحياء الأمل لدى أهل البلد؟ الأمل يعني بالنسبة إلى اللبنانيين استعادة بلدهم الذي لم يعُد يشبه لبنان في شيء، بمقدار ما يشبه ضاحية فقيرة من ضواحي طهران.
تجري الانتخابات بعد تدمير “العهد القويّ”، وهو “عهد حزب الله”، كلّ الأسس التي قام عليها لبنان منذ ما قبل الاستقلال. هذا عهد، الكلام الصادق الوحيد فيه لميشال عون، منذ وصوله إلى قصر بعبدا، هو ذلك الذي وجّهه إلى اللبنانيين، فقال لهم فيه إنّهم ذاهبون إلى “جهنّم”… وليس إلى أيّ مكان آخر.
على الرغم من الشوائب التي تسود قانون الانتخابات العجيب الغريب الذي وُضع أساساً على قياس “حزب الله”، يسعى اللبنانيون إلى التغيير معتمدين على مشاركة كثيفة في الانتخابات، أقلّه من أجل إنقاذ بعض الواحات التي لا تزال موجودة على الأرض اللبنانية. والكلام هنا ليس عن واحات بالمعنى الجغرافي فحسب، بل بالمعنى السياسي أيضاً. في هذه الواحات مَن لا يزال يقول كلاماً لبنانيّاً صرفاً يتعلّق بـ”حزب الله”.
على الرغم من الشوائب التي تسود قانون الانتخابات العجيب الغريب الذي وُضع أساساً على قياس “حزب الله”، يسعى اللبنانيون إلى التغيير معتمدين على مشاركة كثيفة في الانتخابات
نعم، إنّ كلّ معركة لبنان هي معركة سلاح “حزب الله” الذي ليس سوى سلاح ميليشيويّ ومذهبيّ تابع لجهة خارجيّة هي “الحرس الثوري” الإيراني. لا قيامة للبنان بوجود هذا السلاح، بغضّ النظر عن الشعارات التي تستخدمها جهات لتبرير التعايش معه. من بين هذه الشعارات “حماية السلم الأهليّ”، على سبيل المثال وليس الحصر.
شكوك حول التغيير
تبدو الانتخابات فرصةً مشكوكاً في إحداثها التغيير. لكن ليس أمام اللبنانيين سوى التأكيد يوميّاً أنّ هدفهم التخلّص من سلاح “حزب الله” وليس الاستسلام له، أي الاستسلام أمام الاحتلال الإيراني. ليس لديهم سوى التمسّك بشعاع أمل عنوانه استعادة لبنان بدل تحوُّلهم إلى ما يشبه أولئك الإيرانيين الذين غادروا بلدهم بعد سقوط نظام الشاه وصاروا مقيمين في لوس أنجيلس، حيث أكبر تجمّع لهؤلاء، أو غيرها من مدن العالم المتحضّر.
سيكون معنى وحيد للانتخابات في حال استطاع اللبنانيون استغلال هذه الفرصة من أجل القول إنّ تحوُّل مؤسسة رئاسة الجمهوريّة رهينة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ليس النهاية. على العكس من ذلك، إنّ هذا التحوُّل يدعو إلى متابعة المقاومة، أي مقاومة وجود سلاح “حزب الله” الذي يرمز إلى الاحتلال الإيراني للبنان.
مرّة أخرى يظلّ العيب الأكبر في القانون الانتخابي الذي وُجد ليكون في خدمة “حزب الله” ويُظهره في مظهر الحزب الشرعيّ. مؤسف أنّه لم يوجد مَن يتصدّى له في حينه إلاّ وزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق في وقت كان سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء.
كان لا بدّ من التنبّه باكراً إلى أنّ جريمة انتخاب ميشال عون، مرشّح “حزب الله”، رئيساً للجمهوريّة ستؤدّي إلى سلسلة من الجرائم بدءاً بقانون الانتخابات الذي سمح في العام 2018 بقيام أكثريّة نيابيّة تابعة لـ”حزب الله” الذي يختزل الحالة الشيعيّة منذ أواخر ثمانينيّات القرن الماضي. وقتذاك، هزم الحزب حركة “أمل” في حرب إقليم التفاح وغيّر طبيعتها. ما لبث الحزب أن وجد ضالّته في أداة مسيحية، متعطّشة للسلطة، في مظهرها الخارجي، وللمال. تحوّلت هذه الأداة المسيحيّة، المستسلمة لإيران، غطاء فعّالاً لسلاحه وارتكاباته مع توقيع وثيقة مار مخايل في السادس من شباط من العام 2006.
شعار “مقاومة السلاح”
في ظلّ الانهيار المستمرّ للبلد، وهو انهيار يبدو أن لا حدود له، لا تزال نواة لبنانيّة تقاوم. يُفترض بهذه النواة استيعاب أنّ القانون الانتخابي الحالي لا يسمح بأكثر من الحدّ من الخسائر السنّيّة والمسيحيّة والدرزيّة في مواجهة سلاح “حزب الله”. سيأتي هذا السلاح بـ27 نائباً شيعيّاً من أصل 27 في مجلس النواب. لا مكان لأيّ صوت شيعيّ معارض يقول “لبنان أوّلاً” ويرفض التبعيّة الكاملة لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. في المقابل، ستكون هناك اختراقات سنّيّة ودرزيّة للحزب.
ثمّة شعار واحد يصلح للمرحلة المقبلة. هذا الشعار هو مقاومة سلاح “حزب الله”. كلّ ما عدا ذلك إضاعة للوقت وتلهٍّ بمواضيع من نوع موضوع مكافحة الفساد الذي يروّج له الحزب. لا يوجد لبناني عاقل يجهل أنّ سلاح الحزب في أساس انتعاش الفساد وانتشاره، وذلك منذ بدء تطبيق المعادلة الذهبيّة، معادلة “السلاح يحمي الفساد”. يظلّ حرمان اللبنانيين من الكهرباء والمصارف والتعليم الدليل الأبرز على نجاح الحزب في تطبيق هذه المعادلة.
بانتخابات أو من دون انتخابات، بمقاطعة أو من دون مقاطعة، علماً أن لا نفع يُذكَر من المقاطعة، المهمّ استمرار الصوت العالي في وجه سلاح “حزب الله” الذي يريد، عبر الانتخابات، القول للمجتمع الدولي إنّه يمتلك شرعية لبنانيّة.
منذ متى يصنع السلاح المذهبي والميليشيويّ شرعيّة؟
مؤسف في لبنان أنّ السلاح يظلّ أهمّ من الانتخابات. في النهاية، ربحت القوى السياديّة اللبنانيّة انتخابات العام 2009. حصل ذلك في ظلّ قانون انتخابي شبه معقول يعكس إلى حدّ كبير المزاج الشعبي اللبناني. ماذا كانت النتيجة؟ في 2016 انتخب مجلس العام 2009 مرشّح “حزب الله” رئيساً للجمهوريّة.
إقرأ أيضاً: انتخابات لتغيير هويّة لبنان!
في بلد، يتبيّن يوميّاً أنّ السلاح أقوى من الانتخابات، ليس أمام اللبنانيين سوى خيار واحد هو خيار المقاومة، مقاومة سلاح الحزب الذي لم يكتفِ بحماية كلّ أنواع الفساد فحسب، بل عمل كلّ ما في استطاعته للقضاء على لبنان بدءاً بتدمير بيروت وكلّ مظهر من مظاهر الحياة فيها.