ورقة بيضاء

مدة القراءة 3 د

في الأشهر الماضية ذهب أكثر من نصف العالم إلى اقتراع من نوع ما: رئاسي أو برلماني أو بلدي أو استفتاء. معظم النتائج لم تغير شيئاً، سواء كانت انتخابات حقيقية، أو من قبيل رفع العتب والتسعة وتسعين في المائة. لكنها جميعاً حدد لها موعد، وجرت في موعدها، من ألبانيا إلى فرنسا وقيرغيزيا.

حدد لبنان 15 مايو (أيار) موعداً لانتخاباته البرلمانية، وحتى اللحظة ما من أحد يعرف إن كانت سوف تجرى أم لا. كل يوم هناك من يؤكد أن حادثاً “أمنياً” قد يطيحها. والأرجح حتى الآن أن الرابح الأكبر نسبياً هو “حزب الله”، والخاسر الأكبر حليفه “التيار الوطني الحر”. وسوف يمضي الحزب من دون الاهتمام كثيراً لأوضاع الغطاء المسيحي، لكن أي هزيمة معنوية، أو عددية للتيار العوني، سوف تنعكس على “المعركة” الرئاسية التي تأتي مباشرة بعد البرلمانية.

تجري الانتخابات عادة، إما لتغيير السلطة أو للتجديد لها. هنا لا أهمية لهذا أو ذاك. أنت تقترع ونحن ننتخب. وأنت تنتخب ونحن نفوز

وقد أعطي اللبنانيون حريتهم الكاملة في كرنفال الترشح للبرلمان، ومنعوا من الغلط في معركة الرئاسة التي يخوضها جبران باسيل منفرداً في حراسة مدرعات ومصفحات الجيش، ما يؤكد شعبيته الخارقة لدى اللبنانيين. مقابل 1430 مرشحاً برلمانياً هناك مرشح رئاسي واحد. بالإجماع. على أن الانتخابات في لبنان، داء أو وباء، مرض قديم. ما أن يسمع اللبناني بموعد انتخابي حتى يتحول من كائن طبيعي إلى مخلوق افتراضي. وليس مهماً أن تكون انتخابات رئاسة الجمهورية، أو رئاسة بلدية، أو جمعية خيرية، أو رابطة عائلية، أو نقابة اللحامين. وأنا قادر على التأكيد تحت القسم على أن ما من بلد في العالم، في التاريخ، يضم هذا العدد من حملة اللقب.

هذا النوع من المهازل الوطنية وشبق اللقب، هو ما أفقد لبنان أهمية الحق في المنصب العام. أحد المرشحين يخوض معركته الآن على أنه “مهضوم”. ربما في هذه الكثافة أصبحت “الهضامة” ميزة فائقة، ورحمة بلبنان، مما وصل إليه من ركاكة في سلم المطالب والشروط.

إقرأ أيضاً: انتخابات في دولة الحزب

برغم كل هذه “التسهيلات” ليس أكيداً أن الانتخابات سوف تجرى في موعدها. وماذا سوف تغير في أي حال، في بلد يذهب كله إلى الاقتراع وحكومته ممنوعة من الاجتماع منذ تأليفها إلى اليوم، حتى برغم وقوع كارثة من حجم غرق زورق طرابلس؟ “كرنفال” يعوزه الفرح والابتسام والأمل. كرنفال أقنعة وخطب فارغة وبالونات منفوخة لا تتحمل أكثر من ثقب صغير.
تجري الانتخابات عادة، إما لتغيير السلطة أو للتجديد لها. هنا لا أهمية لهذا أو ذاك. أنت تقترع ونحن ننتخب. وأنت تنتخب ونحن نفوز. في الماضي كان اللبنانيون يتقنون، على الأقل، مستوى الإخراج وخفة المهزلة. الآن يركضون حفاة ومفلسين ومسروقين ومنهوبين، وفي عماء الظلمة والعتم، لكي يقترعوا. مبروك سلفاً.

 

*نقلاً عن الشرق الأوسط

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…