يوم رفضوا إدوارد سعيد

مدة القراءة 3 د


يقتضي استعادة إدوارد سعيد هذا الجحيم المفتوح من ولولة السلاح، وبكاء الأطفال، وصراخ الأمهات. يصفه محرر «معاريف»، الذي يُجري معه مقابلة طوال ثلاثة أيام، بأنه «يُشعُّ سحراً، هذا المثقف الفلسطيني الأكثر شهرة في الغرب». كان سعيد قد عاد إلى نيويورك للتوّ من جولة في الشرق، وبينها رحلة إلى «بوابة فاطمة» حيث رَشَقَ الجيش الإسرائيلي بالحجارة. لماذا فعل ذلك؟: «إنه رفض للإسرائيليين. إنه شعور بأنهم رحلوا بعدما احتلوا أرضنا طوال 22 عاماً. كما أن هناك شعوراً بالانصراف. أي إنكم لا تغادرون فقط، بل تنصرفون بلا رجعة. لا نريدكم أن تعودوا. هناك شعور بالانتصار. للمرة الأولى في حياتي، وفي حياة الناس المجتمعين أمام بوابة فاطمة، انتصرنا. ربحنا واحدة».

في تلك الفترة كان قد صدر له كتاب «خارج المكان»، وهو سيرة ذاتية. عن بدايات حياته في فلسطين ومصر ولبنان. ماذا يعني بـ«خارج المكان»؟: «عدم القدرة على العودة. إنه شعور قوي يساورني. أستطيع أن أصف حياتي بأنها سلسلة من الرحيل والعودة، لكن الرحيل يكون على الدوام. والعودة غير مؤكدة على الدوام، ومشكوك فيها. لذلك، عندما أذهب في رحلة قصيرة آخذ أكثر مما يلزمني، خشية ألَّا أتمكن من العودة. لديَّ شعور دائم بأنني لا أنتمي، لا أنتمي بتاتاً. لأنني لست من هنا. والمكان الذي أنا منه، يقول آخر، إنه ليس لي، إنه له هو. لذلك حتى فكرة المكان الذي أتيتُ منه، خاضعة لتحدٍّ على الدوام».

رغم كل ما توقع العالم من جنون وفقدان أعصاب وفلتان هستيري، فإن أحداً لم يتوقع هذه المجازر الجماعية الرهيبة. لم ينجح أحد في إحياء القضية الفلسطينية مثل نتنياهو. ولا في تصوير النموذج والمزاج الإسرائيلي

لم يكن إدوارد سعيد النموذج الفلسطيني، أي اللاجئ، بل كان أستاذاً في جامعة كولومبيا، ومن عائلة أرستقراطية، وذا عادات برجوازية، مثل حب الموسيقى الكلاسيكية، والحفاظ على منتهى الأناقة الغربية، وهذا هو النموذج الذي قدَّمه الفلسطينيون لأميركا وإسرائيل والغرب. لكن إسرائيل ظلت تبحث عن نموذج السنّار وتنمِّي المشاعر الحارقة في أهل غزة. وبعد عقود من تجاهل وازدراء رجال وتيارات مثل إدوارد سعيد، استفاقت ذات يوم على 7 أكتوبر (تشرين الأول) في غزة. وبعد عقود أيضاً من ردّها على «أوسلو»، ظهر أمامها غزّيو غزة.

لكن رغم كل ما توقع العالم من جنون وفقدان أعصاب وفلتان هستيري، فإن أحداً لم يتوقع هذه المجازر الجماعية الرهيبة. لم ينجح أحد في إحياء القضية الفلسطينية مثل نتنياهو. ولا في تصوير النموذج والمزاج الإسرائيلي.

*نقلاً عن “الشرق الأوسط”

مواضيع ذات صلة

محمد بن سلمان فوق البروتوكول في البيت الأبيض

فرشت واشنطن السجادة الحمراء لاستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأقامت كل المراسم الشرفية، بما في ذلك العرض العسكري الجوي بطائرات “إف 35″،…

ترامب يكبح إسرائيل: هل استنجد نتنياهو ببوتين؟

يسهل استنتاج التحوُّل الذي طرأ على الإدارة في الولايات المتّحدة لفرض قرار واشنطن على قرار تل أبيب. ولطالما استعر جدل الباحثين خلال العقود المنصرمة بشأن…

تصويت مجلس الأمن وزيارة الأمير

ستتضح أمورٌ هامةٌ يترقبها العالم باهتمام بالغ، من خلال حدثين بارزين، الأول تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة وما بعدها، والثاني ما…

متى تستقر سورية في مواجهة المخاطر الكبرى؟

توجّه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين آخرين، وخرج باتفاقٍ حول مكافحة الإرهاب. وفيما كان بنيامين نتنياهو…