لو كان في استطاعة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الإتيان بثلثَيْ أعضاء مجلس النواب الجديد لَما كان قصّر في ذلك أو تردّد لحظة. لن يستطيع الذهاب إلى أكثر من الاستحواذ على أكثريّة في المجلس المفترض أن يُنتخب في الخامس عشر من أيّار المقبل. يسمح له القانون الانتخابي البائس الذي وضعه الحزب على قياسه بتحقيق هذه النتيجة في بلد بات تحت الهيمنة المباشرة لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.
ما يؤكّد ذلك أنّ حسن نصرالله بات أيضاً يلعب دور البطريرك الماروني في بلاد الأرز. لو لم يكن الأمر على هذه الحال، لَما دفع في اتجاه نوع من المصالحة والتفاهم بين سليمان فرنجية، زعيم “تيّار المردة”، وجبران باسيل، صهر رئيس الجمهوريّة ورئيس “التيّار العوني”.
ليست انتخابات منتصف أيّار المقبل سوى خطوة أخرى على طريق التمديد لـ”العهد القوي” حتّى لو كان ذلك عن طريق إيجاد فراغ في رئاسة الجمهوريّة
ليس في البلد مَن يستطيع تحقيق مثل هذه المعجزة سوى “حزب الله” الذي استضاف أمينه العام فرنجيّة وباسيل إلى إفطار كان مناسبة لكسر الجليد بين سياسيَّيْن مارونيّين لا وجود، مبدئيّاً، لِما يجمع بينهما. عفواً، يجمع بينهما إدراك أنّ إيران تقرّر من هو رئيس جمهورية لبنان المسيحي الماروني. في ضوء هذا الواقع لا مفرّ من تعاونهما ومن العمل في خدمة استراتيجية الحزب الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.
لِمَن سيهدي حسن نصرالله انتصاره في الانتخابات النيابية التي يبدو أنّها ستسمح له بالحصول على أكثريّة يمكن أن تصل إلى 68 أو 69 نائباً؟
سيعمل هؤلاء تحت قيادة الحزب ورايته، ولن يتردّدوا في المجاهرة بأنّهم ينتمون إلى حلف “المقاومة” و”الممانعة” مع ما يعنيه ذلك من لعب الدور المطلوب منهم في سياق دعم المشروع التوسّعي الإيراني في لبنان وخارج لبنان… على حساب كلّ ما هو عربي في المنطقة.
“قانون قاسم سليماني”
لم يكن الخطاب الأخير للأمين العام للحزب سوى خطاب كلّ المغالطات، بدءاً بحديثه عن انتخابات العام 2009 التي سمحت للقوى السياديّة اللبنانية بالحصول على أكثرية في مجلس النوّاب. ما سمح بذلك لم يكن الأموال التي أُنفقت، وكانت في معظمها من الجيب الخاص لسعد الحريري، بمقدار ما أنّ الموضوع كان مرتبطاً بقانون عادل يمكن لأيّ انتخابات تجري في ظلّه أن تعكس إلى حدٍّ كبير مزاج الشعب اللبناني. من هذا المنطلق كان إصرار “حزب الله” على فرض قانون مختلف في العام 2018. سمح القانون الذي فرضه الحزب لقاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني بالقول، مباشرة بعد الانتخابات الماضية، إنّ ايران باتت تمتلك أكثريّة في مجلس النوّاب اللبناني.
من الواضح أنّ للانتخابات المقبلة وظيفة محدّدة ذات شقّين. يتمثّل الشقّ الأوّل في توفير غطاء شرعي لسلاح الحزب، أو على الأصحّ تجديد هذا الغطاء. أمّا الوظيفة الثانية، فهي تُختزل بالعمل من أجل متابعة تغيير طبيعة لبنان عبر مزيد من الإفقار له وللمجتمع.
تلك هي وظيفة الانتخابات المقبلة التي يسعى “حزب الله” بكلّ ما لديه من نفوذ إلى إجرائها في موعدها. مطلوب أكثر من أيّ وقت متابعة الإنجازات التي تحقّقت في “العهد القوي” الذي كان على رأسه ميشال عون المعنيّ فقط بتأمين وصول جبران باسيل إلى قصر بعبدا… بغضّ النظر عن الثمن الذي يدفعه لبنان واللبنانيون!
التمديد لـ”العهد القوي”
ليست انتخابات منتصف أيّار المقبل سوى خطوة أخرى على طريق التمديد لـ”العهد القوي” حتّى لو كان ذلك عن طريق إيجاد فراغ في رئاسة الجمهوريّة. لا هدف لدى “حزب الله”، الممثّل الشرعي الوحيد للنظام الإيراني في لبنان، سوى إفراغ البلد من أهله وتحويل المسيحيين فيه إلى أهل ذمّة. مَن لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع أن يطرح على نفسه سؤالاً في غاية البساطة: أيّ إنجاز تحقّق منذ وصول ميشال عون، مرشّح “حزب الله”، إلى قصر بعبدا؟
كانت خمس سنوات ونصف سنة من عمر “العهد القوي” كافية كي ينهار لبنان نهائيّاً. لا يوجد في البلد رئيس للجمهوريّة يدرك معنى سقوط النظام المصرفي اللبناني وأبعاد ذلك على طبيعة البلد وهويّته. لا إدراك لرأس الدولة لمعنى توصّل “حزب الله” إلى فرض عزلة عربيّة على لبنان. وهي عزلة لن تفكّها عودة السفيرين السعودي والكويتي إلى بيروت ولا ذهاب رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي إلى مكّة المكرّمة لتأدية العمرة كعادته كلّ سنة…
طرح الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في أثناء حرب صيف العام 2006، وهي حرب افتعلها “حزب الله” مع إسرائيل لأسباب داخليّة لبنانيّة، سؤاله المشهور: لِمَن سيُهدي “حزب الله” انتصاره؟
خرج الحزب من حربه مع إسرائيل منتصراً، وذلك بعد سنة وبضعة أشهر من التخلّص من رفيق الحريري. كان انتصاره على لبنان وليس على إسرائيل طبعاً. اكتفت إسرائيل وقتذاك بتدمير لبنان، وبالقرار 1701، وبتسليم البلد إلى “حزب الله” كي يستكمل حربه على لبنان واللبنانيين.
إقرأ أيضاً: لا يزال جبران باسيل حاجةً للحزب
مرّة أخرى، سيهدي “حزب الله” انتصاره الجديد، وهو انتصار سيحقّقه في الانتخابات النيابيّة، لإيران. عملت “الجمهوريّة الإسلاميّة” منذ العام 1982 على تغيير طبيعة لبنان وتحويله إلى جرم يدور في فلكها. لم يتغيّر شيء منذ دخلت مجموعة من “الحرس الثوري” الإيراني إلى بعلبك قبل أربعين عاماً. لا يزال المشروع الإيراني الذي استهدف تكريس الهيمنة على لبنان يحقّق تقدّماً على الأرض في غياب مشروع مضادّ يدافع عن لبنان وفي ظلّ مخاوف حقيقية من صفقة أميركيّة – إيرانيّة، تبدو “الجمهوريّة الإسلاميّة” في أمسّ الحاجة إليها. لن تفصل مثل هذه الصفقة، التي ستكون نتائجها أسوأ من اجتياح أميركا للعراق في العام 2003، بين البرنامج النووي الإيراني من جهة، والسلوك الإيراني في المنطقة، بما في ذلك لبنان، من جهة أخرى.