لا يزال جبران باسيل حاجةً للحزب

مدة القراءة 5 د

من المستبعد تأجيل الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة المقرّرة في منتصف أيّار المقبل. يعود ذلك إلى رغبة “حزب الله” في إجرائها من منطلق أنّها ستكرّس نهائيّاً شرعيّة سلاحه غير الشرعي الموجّه إلى صدور اللبنانيين وما بقي من مؤسّسات في دولة فاشلة تحوّلت إلى جرم يدور في الفلك الإيراني.

ثمّة حاجة لدى الحزب، في هذه المرحلة الإقليميّة بالذات، إلى تأكيد أنّه يمتلك كلّ المطلوب كي يعترف العالم بأنّه يحكم لبنان عبر مؤسّسات الدولة، بما في ذلك مجلس النوّاب. لم ينفّذ سلسلة الانقلابات التي بدأت بتفجير رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005 وما تبعه من اغتيالات سياسيّة، وصولاً إلى فرض ميشال عون رئيساً للجمهوريّة كي يبقى في لبنان مَن يعترض على الاحتلال الإيراني.

في عشر سنوات، غطّى ميشال عون، بضمانة من جبران باسيل، كلّ ارتكابات “حزب الله”، من حرب صيف العام 2006… إلى اغتيال وسام الحسن، مروراً في طبيعة الحال بالاعتصام في قلب بيروت بغية تمزيق العاصمة تمهيداً لغزوة أيّار 2008

من هذا المنطلق، تبدو الانتخابات، في الظروف الراهنة، حاجة لدى الحزب الذي استطاع تغيير طبيعة المجتمع اللبناني تغييراً جذريّاً بغطاء مسيحي (التيّار البرتقالي) الذي عرف كيف يستخدمه ويعصره إلى آخر نقطة. ليس صدفةً أنّ “التيّار العوني” في حاجة ماسّة إلى الحزب كي يثبت أنّه لا يزال ورقة مسيحيّة مهمّة ووازنة في مواجهة “القوات اللبنانيّة” وقوى مسيحيّة أخرى غير مستعدّة لمهادنة الاحتلال الجديد.

إذا كان من معنى للانتخابات التي لا يمكن أن تنتهي إلا بسيطرة “حزب الله” على مجلس النوّاب، مرّة أخرى بعد الذي حصل في انتخابات 2018، فإنّ هذا المعنى يتمثّل في سؤال بسيط: هل يتمكّن الحزب من تعويم جبران باسيل، صهر رئيس الجمهوريّة؟

لعب جبران الدور المحوري طوال عشر سنوات في ضمان عدم تمكّن ميشال عون من أن يحيد قيد أنملة عن الخطّ الذي رسمه له الحزب. كان ذلك منذ توقيع وثيقة مار مخايل في شباط 2006، وصولاً إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة في 31 تشرين الأوّل 2016 بسبب خطأ لا يُغتفر ارتكبه الدكتور سمير جعجع، وهو أفضل مَن يعرف ميشال عون والسهولة التي يمتلكها في الانتقال من عند صدّام حسين… إلى أحضان “حزب الله”.

في عشر سنوات، غطّى ميشال عون، بضمانة من جبران باسيل، كلّ ارتكابات “حزب الله”، من حرب صيف العام 2006… إلى اغتيال وسام الحسن، مروراً في طبيعة الحال بالاعتصام في قلب بيروت بغية تمزيق العاصمة تمهيداً لغزوة أيّار 2008. شملت تلك الغزوة بيروت والجبل. استهدفت السُنّة والدروز الذين يعانون حالياً من هجمة شرسة مكّنت ميشال عون وجبران باسيل من الوقوف موقف الشامت منهما.

لم يحِد ميشال عون، بعدما صار في بعبدا، مليمتراً واحداً عن الخطّ الذي رسمه له “حزب الله”، ومن خلفه إيران. إنّه يعرف تماماً النتائج المترتّبة على الخروج عن هذا الخطّ. لذلك كان مخطئاً كلّ من راهن على أنّ ميشال عون في قصر بعبدا هو غير ميشال عون خارج القصر. كلّ المطلوب منه متابعة حملته على لبنان واللبنانيين كي يزداد البلد فقراً وكي تستمرّ موجة الهجرة، خصوصاً هجرة الشباب المسيحي.

من هنا، يمكن فهم هذا الإصرار لدى “حزب الله” على وجود كتلة نيابيّة وازنة لدى جبران باسيل في مجلس النوّاب المقبل. إنّه الرجل المفتاح الذي استطاع ضبط ميشال عون من جهة، وأن يكون ضمانته من جهة أخرى. حلم ميشال عون دائماً بأن يكون رئيساً للجمهوريّة، بغضّ النظر عن الثمن الذي سيدفعه لبنان وسيدفعه المسيحيون على وجه التحديد. وحده جبران باسيل استطاع أن يحقّق لميشال عون حلمه، وهو حلم “حزب الله” بأن يكون رئيس الجمهوريّة المسيحي مؤمناً بحلف الأقلّيّات. يعني هذا الحلف، بين ما يعنيه، أن يذهب رئيس الجمهوريّة إلى روما والفاتيكان ليقول: “مقاومة الاحتلال ليست إرهاباً، وليس لحزب الله المكوّن من لبنانيين وحرّر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي أيّ تأثير على الواقع الأمني الداخلي للّبنانيين”.

 

يصعب إيجاد رئيس للجمهوريّة يقول مثل هذا الكلام الذي لا يتضمّن سوى عبارة واحدة صحيحة هي أنّ الحزب “مكوّن من لبنانيين”. من هذا المنطلق، يمكن فهم أنّ الانتخابات النيابية المقبلة تتضمّن معركة أخيرة لـ”حزب الله”، هي معركة إنجاح جبران باسيل وإعادة تعويمه. هذا ما يفسّر إلى حدّ كبير الضغوط التي مورست من أجل جعل زعيم “تيّار المردة” سليمان فرنجيّة يعيد النظر في موقفه من جبران باسيل في ما يخصّ الانتخابات. قبل ذلك، كانت ضغوط من أجل توفير دعم من حركة “أمل” الشيعيّة لـ”التيّار العوني” على الرغم من غياب الحدّ الأدنى من الكيمياء بين الرئيس نبيه برّي من جهة، وميشال عون وجبران باسيل من جهة أخرى.

يتبيّن في كلّ يوم يمرّ حجم الدمار الذي خلّفته “وثيقة مار مخايل” التي فرضت على لبنان واللبنانيين مزيداً من البؤس والتعتير. ما يتبيّن أكثر أنّ “حزب الله” لا يزال في حاجة إلى جبران باسيل في ضوء كلّ الخدمات التي قدّمها له، بما في ذلك ضمان ثبات ميشال عون على الخط الذي رسمه له الحزب وتكريس معادلة “السلاح يحمي الفساد”، وهي المعادلة التي جعلت وزارة الطاقة في عهدة جبران باسيل منذ ما يزيد على 12 عاماً… وهو ما أدّى إلى انعدام أيّ وجود للكهرباء.

إقر أيضاً: الانتخابات: ماهو مشروع الحزب بعدها؟

إنّها المعادلة السحريّة التي عزلت لبنان عربيّاً ودوليّاً، وأغرقته في مزيد من الديون، ودمّرت كلّ مقوّمات وجوده في ظلّ انهيارٍ للنظام المصرفي مع انعكاس ذلك على كلّ القطاعات الحيويّة من التعليم، إلى المستشفى، إلى الخدمات والسياحة…

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…