أزمة المجلس الشيعيّ الأعلى: حان وقت الإصلاح

مدة القراءة 4 د

يواجه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اليوم أزمة عميقة تتعدّى إشكالية انتخاب رئيس ونائب رئيس، فقد انتهت المدّة القانونية للهيئتين التنفيذية والشرعية ولم يتمّ التمديد لهما قانونياً، وهو ما يفرض إعادة النظر بهما، والأهمّ من كلّ ذلك أنّ هيكلية المجلس ودوره في هذه المرحلة يتطلّبان إعادة النظر بهما ودراسة كيفيّة إصلاح كلّ المؤسسات التابعة له في ظلّ المشكلات التي تواجهها هذه المؤسسات، وآخر ما برز على السطح الفساد الذي كانت تعاني منه الجامعة الإسلامية، والذي دفع نائب رئيس المجلس العلّامة الشيخ علي الخطيب إلى اتّخاذ إجراءات حاسمة وتعيين رئيس جديد للجامعة وإعادة هيكلة العمل فيها وفي المجلس الشيعي.

فما هي أبرز المشكلات التي يواجهها المجلس اليوم؟ وهل من سبيل إلى الإصلاح الجذري؟

1- من أولى المشكلات أنّ المجلس أصبح خاضعاً اليوم لسلطة كلّ من حركة أمل وحزب الله. فهما مَن يقرّران مصيره ودوره واستقلاليّته، وهما يتحكّمان بالتعيينات في الهيئتين التنفيذية والشرعية والمواقع الإدارية. وهذا بعكس رغبة مؤسّسه الإمام موسى الصدر، الذي كان يريد للمجلس أن يمثّل كلّ النخب الشيعية بدون استثناء. وفي القانون الأساسي لإنشاء المجلس فإنّ الهيئة الناخبة تضمّ الأطبّاء والمحامين والمهندسين ورؤساء الجمعيات والبلديات والصحافيين وغيرهم. لكنّ معظم هؤلاء لم يعد لهم اليوم دور في إدارة المجلس وانتخاب هيئاته.

2- المشكلة الثانية في دور المجلس اليوم، هي حالة الاهتراء التي تعاني منها المؤسسات التابعة له وهيكليّاته الإدارية (وما جرى في الجامعة الإسلامية نموذج لذلك). وهذا يتطلّب إصلاحاً شاملاً وهيكلةً جديدةً للمؤسّسات وفرض رقابة على عمل هذه المؤسسات ودورها، خصوصاً الأوقاف التابعة له. ويعترف بعض المسؤولين في المجلس بذلك، وحاولوا القيام بخطوات إصلاحية لكنّهم فشلوا.

يواجه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اليوم أزمة عميقة تتعدّى إشكالية انتخاب رئيس ونائب رئيس، فقد انتهت المدّة القانونية للهيئتين التنفيذية والشرعية ولم يتمّ التمديد لهما قانونياً

3- المشكلة الثالثة تتعلّق بدور المجلس واستقلاليّته السياسية. فالمجلس أُنشىء ليعبّر عن كلّ الطائفة الشيعية لا عن فريق سياسي معيّن، ولأن يكون وعاءً لكلّ الآراء والأفكار وجسرَ تواصل وحوار مع بقيّة المكوّنات اللبنانية. طبعاً لا يعني ذلك أن يكون في مواجهة الفريقين السياسيّين القويّين اليوم في الواقع الشيعي، لكن على الأقلّ أن يتمتّع بمساحة من الحرية في التعبير عن المواقف، وأن يكون قادراً على فتح قنوات الحوار مع كلّ الجهات الدينية والفكرية والدبلوماسية في لبنان والعالم العربي وعلى الصعيد الدولي، وهذا ما يُفتقر إليه اليوم دور المجلس.

4- المشكلة الرابعة تتّصل بقدرة المجلس على مواكبة هموم الطائفة الإسلامية الشيعية ودراسة حاجاتها وتقديم الحلول والمعالجات من خلال الدراسات والأبحاث وعبر العلاقة مع أصحاب الكفاءات والقدرات، وهذا ما يغيب كلّيّاً عن عمل المجلس اليوم.

هذه أبرز مشكلات المجلس الشيعي الأعلى اليوم، وهي تتطلّب مقاربة إصلاحية شاملة قادرة على تطوير المجلس واستعادة موقعه ودوره لبنانياً وخارجياً. ويشكّل انتخاب رئيس ونائب رئيس جديدين فرصة مناسبة لطرح هذه الإشكاليات والبحث عن الحلول المناسبة. وقد حاول نائب الرئيس الحالي العلّامة الشيخ علي الخطيب وبعض أعضاء الهيئة التنفيذية الحالية القيام ببعض الخطوات الإصلاحية، لكنّهم واجهوا عقبات عديدة إدارية وسياسية وتنظيمية.

إقرأ أيضاً: الشيخ عبد الأمير قبلان: فيه كلّ وجه من أوجه الحياة

فهل يكون انتخاب رئيس جديد للمجلس وهيئتين تنفيذية وشرعية جديدتين فرصة للإصلاح؟ أم تستمرّ القوى السياسية والحزبية بالتحكّم بهذه الانتخابات معيقةً أيّ عمل إصلاحي مستقبلي ومبقيةً المجلس في دائرة التنافس الحزبي والسياسي؟

مواضيع ذات صلة

هل ترفع واشنطن الغطاء عن لبنان؟

واكبت واشنطن، وخلفها دائماً تل أبيب، المسار اللبنانيّ منذ ما قبل الانتخابات الرئاسيّة، جنباً إلى جنب مع العواصم العربيّة والخليجيّة، وتحديداً الرياض. بعد انتخاب جوزف…

كلفة ما قبل التّفاوض: إسرائيل “تصنَع” سَلامَها

التفاوض آتٍ حتماً، لكن كيف وبأيّ ثمن؟ قد تختصر هذه المعادلة واقع مرحلة ما قبل جلوس الإسرائيلي واللبناني وجهاً لوجه، تماماً كما هو حاصل اليوم…

“الحزب”… بين البيانَيْن

بينما كانت الأنظار تتّجه إلى الحكومة واحتمال تعرّضها لتصدّعات بنيويّة بفعل الخلاف على قانون الانتخابات، في الشقّ المتّصل تحديداً بتصويت المغتربين، جذب بيان “الحزب” الذي…

مواجهة حكوميّة في “القصر” اليوم؟

لن تضع جلسة الحكومة اليوم حدّاً لـ”الدوخة” الانتخابيّة. مجلس الوزراء، بكلّ بساطة، وبعد حركة  “بهلوانيّة” حكوميّة، قد يرمي الكرة مجدّداً في حضن الرئيس نبيه برّي…