“فول” أمّ زهير في “مكيول” جبران باسيل

مدة القراءة 3 د


على الرغم من الإجماع السياسي العلني على الأقل حول ضرورة التمديد للعماد جوزف عون قائداً للجيش من أجل تفادي الفراغ، لا تزال أمّ زهير تراهن على عدم حصول ذلك. تدعو الله ليل نهار، تتضرّع، تقرأ المعوذتين وآية السدّ: “وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون”.

تعتبر أمّ زهير أنّ الخروج عن مبدأ “تداول السلطة”، حتى في المراكز الإدارية والعسكرية، أمر مكروه وبالتالي الالتزام به شأن مقدّس، ولهذا تقول: “شو انقطعوا الضباط بالمؤسسة العسكرية؟”.

أسألها ضاحكاً: “يعني أنت وجبران باسيل اليوم بخندق واحد؟”. فتردّ: “… لغاية في نفس يعقوب”.

أسألها مرّة أخرى: “باسيل نواياه معروفة، ما بدو قائد الجيش يبقى مرشح قوي للرئاسة… إنتِ شو غاياتك يا أمّ العريف؟”.

على الرغم من الإجماع السياسي شبه الكامل حول ضرورة التمديد للعماد جوزف عون قائداً للجيش من أجل تفادي الفراغ، لا تزال أمّ زهير تراهن على عدم حصول ذلك

تتلمّط، ثمّ “تُبربس” بضع كلمات غير مفهومة، ثمّ تنطق بالفصحى (اسم الله حولها وحواليها): “لا أثق برجال العسكر حينما يتبوّأون مناصب سياسية”.

تصمت قليلاً ثمّ تُردف: “شفنا أبو ضحكة جنان إميل لحّود. وشفنا ميشال سليمان. وكمان شفنا نسيبه عاااااان، شوفير البوسطة على خطّ لبنان – جهنم… ما كفانا عسكر وبدّك بعد؟”.

عاتبةٌ أمّ زهير كثيراً على نواب التغيير، وتعتبر أنّهم لاذوا بصمت القبور حينما وصل الأمر بالمنظومة إلى التوافق على التجديد لقائد الجيش، وبعدما ملأوا الدنيا صراخاً واعتراضاً على تجاوز القوانين في كلّ الاستحقاقات… فلماذا لم يُسمع “حسّهم” في هذا الاستحقاق بالذات؟؟

أقول لها: “يا أمّ زهير لا يمكن ترك المؤسّسة العسكرية للفراغ نظراً لحساسية الوضع السياسي والأمني في البلاد”، فتردّ: “ليش مين أهم؟ قيادة الجيش أم رئاستا الجمهورية والحكومة؟ وليش لنحطّ العرباية قبل الحصان؟”.

أمّ زهير محقّة في مقاربتها تلك، فانتخاب رئيس للبلاد هو الأساس، وهو في الوقت نفسه “عقدة العقد”. وبانتخاب رئيس تُحلّ جميع الأزمات وتحضر كلّ الحلول لكلّ الاستحقاقات: من رئاسة الحكومة، إلى قيادة الجيش وصولاً إلى حاكمية مصرف لبنان، وقسْ على ذلك الكثير… وصولاً إلى التعيينات الإدارية والعسكرية والقضائية… لكنّ الجميع يدفن رأسه في التراب مثل النعامة، ولا يريد أن يرى الحقيقة الناصعة.

أحاول إقناع أمّ زهير أنّ تلك هي إرادة “العمّ سام”، الراعي الأميركي للنصف الآخر من البلد باعتبار أنّ النصف الأوّل في قبضة الحزب، فتردّ: “الأميركي لا يبحث إلّا عن مصالحه ولا يهمّه احترام النصوص القانونية”.

إقرأ أيضاً: بشّار “غوتيريش” الأسد

أقنعها أنّ الحزب نفسه بات ميّالاً إلى الموافقة على ذاك التمديد… “خلص انتهت”. فتقول: “لا تقول فول ليصير بالمكيول”، ثمّ تكرّ بسبحة الأمثال الشعبية: “الحزب عم يبيعهم سمك ببحرو”، “لما يجي الصبي منصلّي ع النبي”.

لا أعرف علام تتّكىء أمّ زهير لإظهار هذا القدر من الثقة، ولا أعرف إن كانت ستصيب فعلاً فيطير التمديد في اللحظة الأخيرة، أو ستكون هي والوزير جبران باسيل آخر المعترضين وربّما آخر الخاسرين!

لله في خلقه شؤون!

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…