أمّ زهير تنتظر “بلومبرغ”… وتدعو بالنصر لمنصوري

مدة القراءة 4 د


استلّت أمّ زهير أمس “القجّة” (الحصّالة) عن رفّ خزانتها العلويّ، حيث تضع الشراشف “الجْهاز” والبياضات، ثمّ بعد تمهيد ومقدّمات وتبريرات (وكأنّ القجّة ملك يلّي خلّفني) أخبرتني بأنّها ما عادت تريد ادّخار الأموال “أنيمور”، بل تريد أن تعيش الحياة بطولها وعرضها، لأنّو “كلّو رايح”.
بدأت تخطّط ماذا ستفعل بتلك الأموال، التي ادّخرتها منذ عام 2010. كانت تُسقط في أحشاء تلك “القجّة” ما تيسّر من أوراق “بنكنوت” ومسكوكات معدنية من فئة الـ250 ليرة والـ500 ليرة، بينما الأوراق فأكبر فئة منها أدخلتها في فم تلك الحصّالة طوال تلك السنوات كانت ورقة الـ50 ألف ليرة بمعدّل ورقة أو ورقتين.
راهنت أمّ زهير على الكمّية، لا على النوعية. قالت لي: “أظنّ أنّ المبلغ سيكفيني لشراء تذكرة سفر إلى إسطنبول. أريد أن أذهب إلى بلاد أبي بلال (إردوغان هو أبو أحمد، لكن بلال أشهر من شقيقه أحمد)، فقد اشتقت إلى إسطنبول وأطمح إلى أن أصلّي ركعتين لله تعالى في مسجد آيا صوفيا (القبلة الثالثة لمولانا رجب طيب إردوغان)، ثمّ أطوف في أسواق صديقتي “أمّ النونو” (إيمينونو) وأتناول الدندرمة (البوظة) وأنفخ نرجيلة على ضفاف البوسفور مع كاسة شاي… فقلت لها: “اتّكلي ع الله”.
أحضَرَت سكّيناً حادّاً من المطبخ وغرزته في بطن الحصّالة التنك، ثمّ بدأت تسحب العملات الورقية، ورقة تلو ورقة، ثمّ تنفض الحصّالة تارة صعوداً ونزولاً، وطوراً يمنة ويسرة، حتى تُخرج الأحجار، حجراً تلو حجر.
بعد مجهود كبير جمعت أمّ زهير أمامها على الطاولة “عكشة” أوراق، ثمّ بدأت تجمعها كلّ ورقة بحسب فئتها: الخمسات مع الخمسات، والعشرات مع العشرات… وهكذا دواليك.

بعد مجهود كبير جمعت أمّ زهير أمامها على الطاولة “عكشة” أوراق، ثمّ بدأت تجمعها كلّ ورقة بحسب فئتها: الخمسات مع الخمسات، والعشرات مع العشرات وهكذا دواليك

حينما انتهت كانت قد أحصت 5 رزمات مكتملات من فئات الألف والـ5 آلاف والـ10 آلاف والـ20 ألفاً، ونحو 600 حجر أصفر وأبيض. عدّتها كلّها فاكتشفت أنّ ما ادّخرته على مدى تلك السنوات الـ13 (رقم نحس) لا يتعدّى الملايين الأربعة.
في تلك الأيام، كان هذا المبلغ يعادل قرابة 2,500 دولار أميركي، على سعر صرف “أبي الفقير” الحاجّ رياض سلامة، وهو مبلغ ليس كفيلاً بأن يأخذها إلى تركيا فحسب، بل يسمح لها بتقبيل إردوغان نفسه (نكاية بالحاجّة أمينة زوجته). أمّا اليوم فما عاد هذا المبلغ يساوي أكثر من 45 دولاراً أخضر.
نظرت إليّ أمّ زهير، و”صَفَنَت” ثمّ قالت: “شو يا أبو زهير… شو العمل؟”.
تقهقهت ثمّ تقهقهت حتى انهمرت الدموع من عينيّ، وابتلّت لحيتي البيضاء. تماسكت لهنيهات وقلت لها: “شوفي أمّ زهير، أمامك خياران لا ثالث لهما…
1- أن تنتظري الحاجّ وسيم منصوري حتى يُطلق منصّة “بلومبرغ”. يقولون إنّ هذه المنصّة لا يُظلم عندها أحد، ويعوّلون على جهودها في ضبط سعر صرف الدولار. يقولون أيضاً إنّ هذه المنصّة ستُخفّضه (للدولار طبعاً) إلى 5,000 ليرة. عندها ربّما تذهبين إلى تركيا لتسيحي، وحينما تؤوبين من هناك إلى “أمّ الشرائع” بيروت، تحضرين لي كيلو بقلاوة من محلّات “حافظ مصطفى” في شارع تقسيم…. شدّي الهمّة يا امرأة، دعكِ الآن من آيا صوفيا، وولّي وجهك شطر المسجد الحرام واُدعي الباري أن يوفّق منصوري في مسعاه ومبتغاه.

إقرأ أيضاً: منصّة “بلومبرغ”… طبخة بحص!

2- أن تنزعي من رأسك فكرة السفر إلى تركيا نهائياً، وتقصدي إبراهيم بائع السجائر (التهريب) بالجملة في الطريق الجديدة بمنطقة الدنا، لتبتاعي لي من عنده كروزين اثنين من “مارلبورو” ذي الورق الأحمر… وصلّى الله وبارك.
ما إن أنهيت كلامي حتّى صرخت أمّ زهير مقاطعة: “ما في إلك دخّان والسما زرقا (ردّت لأصلها)”. ثمّ فتحت يديها ونظرت إلى سقف الغرفة وقالت: إلهي وأنت جاهي منصور يا منصوري بحقّ هاليوم الفضيل”. مع أنّه كان يوم الأحد، لكن يبدو أنّها نسبت الفضل والبركة في ذاك اليوم إلى اجتماع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى وإلى التجديد لسماحة “المفدي” 4 سنوات إضافية… سدّد الله رميه وخطاه!

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…