أحدث حفل عمرو دياب في وسط بيروت يوم السبت الفائت انقساماً أفقياً/عمودياً في المجتمع اللبناني:
هذا ضدّ الحفل لأنّ البلد مأزوم و”بحاجة لغسيل أكثر من زوم”. بينما انتقد ذاك لبس الناس “تيشيرتات” قطن وقمصان “لينن” صيفية بيض نزولاً عند رغبة “الهضبة” (لقب عمرو دياب)، فاعتبر أنّ الناس “خواريف” انصاعت لرأي فنّان… تاركاً عمرو دياب ومعلّقاً على التياب!
وهذا علّق على الشرط الذي وضعه المنظّمون أمام الصحافيين وأجبرهم على عدم كتابة أيّ تعليق أو نقد سلبي على الحفل لقاء حضوره مجّاناً، فاعتبر أنّ المذلّة وصلت إلى هذا الدرك… طيّب يا أخي ادفع ثمن البطاقة وانتقد واكتب بسلبية ما شئت (على رأي الستّ نضال الأحمديّة).
إنشروا فيديوهات الفرح على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثبتوا للعالم أجمع مقولة زهراء قبيسي: “نحنا ما مننهار”… تلك المقولة التي سخرنا منها يوماً واتّضح أنّ زهراء كانت على حقّ
بس سيبك… هؤلاء المنتقدون أنفسهم يخبرونك في المواضيع الأخرى بخلاف الفنّ والفنّانين، كيف أصبحت الحياة “مدولرة”. وكيف عادت الأسعار إلى ما قبل الأزمة… طيّب يا أخي شو وقفت على عمرو دياب يعني؟ أتريده أن يتقاضى أجره وفق التعميم 151 مثلاً فننقده شيكاً بـ”اللولار” يسحبه 1,000 دولار بالشهر على 15 ألف ليرة؟ أم نقسّطهم على الـ1,500؟
نسي أو تناسى هؤلاء المنتقدون أنّ هذا الجوّ هو جوّ لبنان قبل الأزمة وخلالها وبعدها. تماماً كما تقول دعاية البيرة اللبنانية “ألماسة”: “هيدا نحنا وهيدا جونا”. ولنا سوابق مع دياب نفسه خلال الحرب أيضاً من خلال القصة الشهيرة التي سادت في الماضي، يوم قال الرئيس الراحل حسني مبارك للقادة اللبنانيين: “عاوزين مساعدات وحتّة عيّل من عندنا حوّش 100 ألف جنيه من لبنان في يوم واحد؟”.
التاريخ يعيد نفسه
لا جديد على الإطلاق. التاريخ يعيد نفسه، لكن يبدو أنّ بعض اللبنانيين اعتاد “النقار” و”النق”، وأدمنوا المأساة والأزمات، فكلّما زادت حياتنا همّاً صرخوا بوجهها مجدّداً: “إضربي تاني عاوزين نتوب”…
بعيداً عن كلّ هذا النقد وبثّ روح السلبية في النفوس، فلنكن صادقين: أنا أبو زهير (يلي ما بيعجبو شي) أقول لكم على الملأ:
لأ، لم يكن حفل عمرو دياب فاشلاً. لم يكن مقزّزاً مثلما حاول البعض أن يوحي (ما بعرف إذا راغب علامة له يديّة بالموضوع). الحفل كان جميلاً ويشبه بيروت وأهلها. يشبه فصل الصيف في لبنان وحبّ الناس للسياحة والفرح.
يشبه ما قبل 14 شباط 2005. يشبه أيّام العزّ والتألّق، التي جلبها رفيق الحريري إلى لبنان بينما البعض يحاول طردها من البلاد والنفوس بعدما أجهز على رفيق الحريري نفسه. لا تنسوا هذه الحقيقة وتذكّروها دوماً. إصحوا على أنفسكم وتذكّروا ماضيكم وماضي لبنان.
إفرحوا وهيّصوا متى استطعتم، ولا تأبهوا لمن يبثّ السلبية في النفوس. لكن لا تجرصونا في المرّة المقبلة أمام وزير البيئة ناصر ياسين، ولا ترموا أوراق عبوات المياه الفارغة في الطرقات وسط بيروت، واجمعوها من خلفكم.
إقرأ أيضاً: حكومة تكنوقراط: “لا تسرع يا بابا… الماما بتاخد غيرك!”
إنشروا فيديوهات الفرح على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثبتوا للعالم أجمع مقولة زهراء قبيسي: “نحنا ما مننهار”… تلك المقولة التي سخرنا منها يوماً واتّضح أنّ زهراء (ولو كانت تقصد في حينه مجتمع المقاومة لا لبنان واللبنانيين) كانت على حقّ. لبنان عصيّ على الانهيار. واللبنانيون لا يستسلمون أمام حبّ الحياة ويستعدّون للقيامة دوماً ومن جديد بعد كلّ كبوة.
*ملاحظة جدّية وملحّة: بعد قراءة هذا المقال بتمعّن، لا تنشروه ولا تتداولوه فيما بينكم على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك خوفاً من أن يصل عن طريق الخطأ إلى أمّ زهير، فقد طلبت منّي أن أشتري لها بطاقة لحضور الحفل، وقلت لها: “هلّق مش وقتو”.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب
لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@