الحكومة الكويتية الجديدة التي شكّلها الشيخ أحمد النواف، وتحمل الرقم 5 برئاسته، تختلف جذرياً عن الحكومات الأربع السابقة التي رأسها، لناحية الشكل والمضمون، والمدّة الزمنية المتوقّع أن تستمرّ فيها.
لطالما اتّسمت الحكومات الكويتية بقصر عمرها، فهذه الحكومة الجديدة التي صدر مرسوم تشكيلها مساء الأحد الماضي، هي الثامنة خلال 3 سنوات، والخامسة التي يشكّلها النواف خلال أقلّ من عام.
يعتقد البعض أنّها الحكومة الحقيقية الأولى للنوّاف، فالأولى شكّلها للاستعداد لانتخابات أيلول 2022، والثانية لم تصمد لأيّام وتمّ تعديلها، والثالثة لم تنجح في فهم طريقة التعاطي مع مجلس الأمّة فاستقالت ثمّ أُبطل مجلس الأمّة بحكم المحكمة الدستورية، والرابعة كانت مهمّتها الأساسية تنظيم الانتخابات التي جرت في 6 حزيران الحالي.
الحكومة الكويتية الجديدة التي شكّلها الشيخ أحمد النواف، وتحمل الرقم 5 برئاسته، تختلف جذرياً عن الحكومات الأربع السابقة التي رأسها، لناحية الشكل والمضمون، والمدّة الزمنية المتوقّع أن تستمرّ فيها
هكذا وضع النوّاف أوراقه هذه المرّة على الطاولة، فأدخل الشيخ أحمد الفهد إلى الحكومة الجديدة وولّاه منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، في خطوة شكّلت مفاجأة للأوساط السياسية وستكون لها تأثيرات كبرى على المشهد السياسي في المرحلة المقبلة.
إنّ وجود الفهد في الحكومة يعني أنّ كتلة لا يستهان بها من النواب الذين كانوا معارضين في فترات كثيرة سابقاً، أصبحوا موالين للحكومة وقادرين بنسبة كبيرة على حمايتها من السقوط.
لم يخرج الرجل، الذي ترك المناصب الحكومية في عام 2011، من المشهد خلال الـ12 عاماً الماضية، إذ كان اللاعب الأوّل وراء الكواليس من خلال قيادة مجموعة أساسية من المعارضة، وكان لديه نواب موالون له لم يغيبوا عن أيّ مجلس أمّة ولهم حضورهم الشعبي.
مع عودته إلى السلطة التنفيذية، تضمن الحكومة أنّ هؤلاء النواب، الذين يوصف قسم منهم بـ”الصقور”، لن يقدّموا استجوابات لوزرائها، وسيشكّلون سدّاً منيعاً بوجه الاستجوابات التي قد تُقدّم من زملائهم.
هل يعني ذلك أنّ الحكومة باتت في الجانب الآمن وأن نتوقّع شهر عسل بينها وبين المجلس؟
من الصعوبة التكهّن بالجواب في هذه المرحلة، لأنّ مجموعات من النواب ليسوا على وفاق مع الفهد، لا بل إنّ بعضهم يعدّ خصماً رئيسياً له، وفي مقدَّمهم رئيس مجلس الأمّة السابق مرزوق الغانم.
4 شيوخ.. و4 نوّاب للرئيس
كان لافتاً أنّ الاعتراض الأوّل على الحكومة جاء بعد دقائق من إعلانها من قبل النائب مهلهل المضف الذي يتمتّع بحيثية شعبية وسياسية كبيرة، وحلّ أوّلاً في الدائرة الثالثة خلال الانتخابات الأخيرة متفوّقاً على المخضرم أحمد السعدون لما يحمل من طروحات منطقية ومقبولة شعبياً.
لذلك سيكون الفيصل في هذا الأمر عدد النواب المؤيّدين للفهد والحكومة ورئيسها من جهة، وعدد النواب في المقلب الآخر من جهة ثانية.
لا توجد أيّ ضمانة على أنّ أشهر الصيف لن تشهد تناحراً سياسياً، عبر مساءلة الوزراء أو حتى رئيس الحكومة، وهو ما يمكن أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ويفرض معالجات قد تكون مختلفة هذه المرّة
في كلّ الأحوال، تعدّ هذه الحكومة من أقوى الحكومات سياسياً من بين تلك التي شُكّلت في السنوات الماضية، إذ تضمّ 4 شيوخ من الأسرة الحاكمة، بدلاً من اثنين في سابقتها، و4 نواب لرئيس الوزراء، وتضمّ أيضاً أسماء مرموقة ومتخصّصة مثل الدكتور سعد البراك وزير النفط الجديد.
لكن في المقابل، تجمع الحكومة، التي شُكّلت خلال نحو 5 أيام، بعض التناقضات اللافتة، إذ إنّ وزير الإعلام هو نفسه وزير الأوقاف، ووزير النفط هو نفسه من يتولّى وزارة الاستثمار والشؤون الاقتصادية، وهي الحقيبة التي تكون عادة مع وزير التجارة، ووزير التجارة هو نفسه وزير الشباب، ووزير العدل يتولّى أيضاً حقيبة الإسكان.
إذا كان وزير الدفاع الجديد من الوزراء القلائل (وربّما الوحيد) الذين لديهم نواب موالون لهم بشكل مباشر وواضح في مجلس الأمّة، فإنّ أمامه عقبتين رئيسيّتين:
– الأولى أنّ تهم الفساد تلاحقه، ويواجه محاكمات قضائية في الولايات المتحدة على خلفية قضية رشوة أحد رؤساء الاتحادات الرياضية، وهو محكوم في جنيف في القضية التي اعتذر عنها لاحقاً في إطلالة تلفزيونية وتُعرف في الكويت باسم “شريط الفتنة”، وتتلخّص وقائعها في أنّ الفهد يقف وراء تسجيلات فيديو مفبركة عن وجود “مؤامرة” على الحكم من قبل رئيس الوزراء الأسبق الشيخ ناصر المحمد، ورئيس مجلس الأمّة الأسبق الراحل جاسم الخرافي. كما أنّ الفهد تنحّى مؤقّتاً في 2021 عن رئاسة المجلس الأولمبي الآسيوي على خلفية القضايا.
– الثانية أنّ البرلماني المخضرم أحمد السعدون المتوقّع فوزه برئاسة مجلس الأمّة (أمس الثلاثاء) يعتبر الفهد متورّطاً بالفساد، وهو من خصومه، لكن من غير الواضح بعد كيف سيتعامل مع الحكومة الجديدة، علماً أنّ تعامله مع سابقاتها اعتراه كثير من الاستفهامات والتساؤلات.
دروس الانتخابات… حكوميّاً
يضاف إلى ذلك أنّ التعاطي النيابي مع الحكومة سيكون حذراً، لأنّ الأرقام في الانتخابات الأخيرة أثبتت أنّ النواب أصحاب الصوت العالي والطروحات الشعبوية خسروا كثيراً من ناخبيهم، كما أنّ مهادنة الحكومة تكلفتها الشعبية باهظة جدّاً، إلا إذا ترافقت مع إنجازات تتمثّل في إقرار بعض القوانين التي تهمّ شرائح كبيرة من المواطنين، وإيجاد حلول للأزمة الإسكانية المستعصية، ومكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة.
انطلاقاً من ذلك، من المرجّح أن يعمل مجلس الأمّة خلال الصيف لتعويض الفترات السابقة وإقرار بعض التشريعات الأساسية، التي تستوجب اتفاق السلطتين لأنّ قسماً منها يُرتِّب أعباء ماليّة على خزينة الدولة.
إقرأ أيضاً: الانتخابات الكويتية: المزاج الشعبي تغيّر..
لكن لا توجد أيّ ضمانة على أنّ أشهر الصيف لن تشهد تناحراً سياسياً، عبر مساءلة الوزراء أو حتى رئيس الحكومة، وهو ما يمكن أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ويفرض معالجات قد تكون مختلفة هذه المرّة.
هكذا تبدو الكويت مرّة جديدة على صفيح ساخن، بانتظار اتّضاح الأمور أكثر مع استئناف مجلس الأمّة نشاطه المتوقّف منذ شهر آذار الماضي: فهل يكون الصيف ساخناً أم يكون الظهير النيابي للحكومة كفيلاً بتحقيق الاستقرار بالحدّ الأدنى؟