منذ نعومة أظفاري وطفولتي أخاف من الشاحنات. أشعر وكأنّها وحوش كاسرة تترصّد بني البشر، وتلاحقهم على الطرقات لتلتهمهم أو تسحقهم داخل سيّاراتهم هناك وهناك.
إن شاهدت شاحنة في مسيري أبتعد عنها. أضغط على دوّاسة الوقود كي أتخطّى طريقها إلى الأمام، أو أتنحّى جانباً حتى تتخطّاني، فأقول في سرّي: الحمد لله.
سائقو الشاحنات، غالباً، مرفّعون. أنصاف آلهة يعتبرون الناس من حولهم حشرات أو برغشاً. ربّما شكل الشاحنة وارتفاع قمرة قيادتها يزرعان في نفوسهم هذا الانطباع، أو قد يكون خلف ذلك أسباب أخرى نجهلها.
لكن على الرغم من وحشيّتهم وقلوبهم القاسية الصمّاء في القيادة، فهم طريفون و”مهضومون”، خصوصاً في تلك العبارات والـSlogans التي يزرعونها على أجزاء الشاحنات: “لا تسرع… فالموت أسرع”، أو “لا تسرع ماما بتاخد غيرك”، “لا أخاف الموت لكن تقتلني دمعة أمي” (يا عيني)، “عين الحسود فيها عود” أو “عين الحسود تُبلى بالعمى”… “سايرة والربّ راعيها”… ناهيك عن الألقاب التي يطلقونها على شاحناتهم مثل “محروسة” أو “السفّيرة عزيزة” أو “المدلّلة”.
من جهته، وزير الشؤون الاجتماعية دعانا يوماً في بدايات الأزمة إلى غسل الفوط الصحّية وإعادة استعمالها، تيمّناً بالتقاليد الصينية! وتوجّه ذات مرّة إلى الحدود قاصداً رشق العدوّ الإسرائيلي بالحجارة (رجم إبليس)
تذكّرني هذه العبارات الطريفة بوزراء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي قيل لنا إنّ أركانها وزراء من قماشة الـ”تكنوقراط” المتخصّصين، لكن بماذا؟ العلم عند الله!
خذ مثلاً وزير السياحة الذي أتحفنا قبل أيام بشعار يشبه شعارات سائقي الشاحنات، حينما ردّ على ادّعاءات تفيد بأنّ الأسعار السياحية في لبنان باهظة وغالية، فقال: “للّذين يعتبرون لبنان غالياً… نعم لبنان غالٍ على قلوبنا” (يا وعدي).
أمّا وزير الثقافة الأخ الحاجّ القاضي محمد مرتضى الذي قال تعقيباً على حادثة شاحنة الكحّالة (كش برّا وبعيد) التي كادت أن تشعل حرباً أهليّة: “سفلَتُها وأتباعُها وكذَنَبِ العقربِ هم الشوكةُ التي تلدغُ بها”… فغرق في انتمائه الحزبي ونسي أو تناسى أنّه وزير لكلّ لبنان ولكلّ اللبنانيين.
من جهته، وزير الشؤون الاجتماعية دعانا يوماً في بدايات الأزمة إلى غسل الفوط الصحّية وإعادة استعمالها، تيمّناً بالتقاليد الصينية! وتوجّه ذات مرّة إلى الحدود قاصداً رشق العدوّ الإسرائيلي بالحجارة (رجم إبليس).
وزير المالية العامّة يوسف الخليل هو صاحب أشهر مقولة أمام الوفد القضائي الأوروبي: “لا أعرف… لقد نسيت”. وهو فعلاً لا يعرف. لا يعرف متى تسلّم التدقيق الجنائي ونسي أيّ درج من أدراج مكتبه في وزارة المالية وُضع فيه فضاع لأكثر من سنة.
وزير الاقتصاد أمين سلام (يا سلام) انطلق لسانه قبل أيام فكاد أن يوقعنا في أزمة دبلوماسية مع دولة الكويت، بسبب زلّة لسان و”شطبة قلم”… ثمّ تقمّص شخصية إمام النحاة “سيبويه” حتى يشرح لنا ماذا قصد اصطلاحاً بـ”شطبة قلم” وما هو المدلول اللغوي ربطاً بالمضمون المجازي الذي دفعه إلى استخدام هذا المصطلح “الخرندعي” من أجل إعادة إعمار صوامع القمح “يا يوسف زمانكَ”… يا “عزيز مصر”.
إقرأ أيضاً: خازوق دُقّ بأسفلنا؟
أمّا وزير الطاقة وليد فياض فله قصّة أخرى. وزير “مهيوب ومرتّب” من شاطىء إلى شاطىء ومن بركة إلى بركة على طول الساحل اللبناني بينما الكهرباء مقطوعة.
ولِمَ العجب إن كان صاحب البيت بالطبل ضارباً؟ رئيسهم، الرئيس ميقاتي، “على شكلو شكشكلو”: هو الآخر يُتحفنا بالشعارات والقصص الطريفة، فتارة يحدّثنا عن “حنان الأمّ”، وتارة أخرى يرفض “تبديل الضبّاط خلال المعارك… إلى أن أتت “المعارك” واقتلعت بعقوباتها كبير الضبّاط في معبد كهنة آمون… وعلى ما يبدو فإنّ “الحبل ع الجرّار”.
الله يستر!
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب
لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@