موسوعة الرُهاب… في وَصفِ “الأحباب”

مدة القراءة 5 د

قول مأثور: “قسّموا الأرزاق فلم يرضَ أحد… قسّموا العقول فارتضى الكلّ وفرح بقسمته”.

انتهى الشهر المبارك وختمنا مسلسلاته الرمضانية بعد صيام وقيام، ثمّ عاد الملل ليحتلّ مساحة كبيرة من الساعات التي أقضيها مستيقظاً وما أكثرها. هذا الأمر المستجدّ دفعني قبل أيام إلى التسلّل نحو مكتبة ابني زهير، التي يأكلها الغبار بعدما هجرها وهجرنا، متوجّهاً قبل نحو سنتين إلى المملكة العربية السعودية (مملكة الخير) سعياً خلف لقمة العيش على غرار أغلب اللبنانيين هناك.

استللت أحد الأجزاء من موسوعته العلمية، عشوائياً، (ستروبيا)، ثم بدأت أتصفحه “متل يلي بيفهموا”. وقع نظري على فصلٍ يتحدّث عن أنواع الرُهاب التي تُسمى في بلاد الفرنجة بالـ”فوبيا”.

يبدو أنّ الوزير جبران باسيل كان في صغره يعاني من رهاب الـPhotophobia، وهو الخوف من الضوء، ولهذا بقي لسنوات يعِدنا بكهرباء 24/24، لكن وعوده ذهبت مع نحو 40 مليار دولار هباءً منثوراً

أسماء غريبة ومصطلحات تُفاجىء القارىء بهذا الكم الرهيب من الدراسات والقيود، التي أوصلت جنس البشر إلى هذا القدر العميق من فهم ذاك العضو البشري المعقّد، الذي يسمى: العقل.

صنوف ومصطلحات مرتّبة ومصنّفة وفق التسلسل الأبجدي، استوقفني بينها الكثير من أنواع الرهاب. لاإرادياً راح ذهني يسقطها على حالنا في لبنان، وعلى حال السلطة السياسية والأحزاب، التي يبدو كل طرفٍ منها اليوم يعاني على الأقل صنفاً واحداً من تلك الرُهابات (جمع رُهاب)، فيتملّكه و”يقرفنا” بسببه من خلال سلوكه المريض.

الخوف من الماء والكهرباء…

على سبيل المثال، فإن الخوف من المياه اسمه علمياً Aquaphobia، وعلى ما يبدو فإنّ مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان مصابة بهذا الرهاب، ولهذا تقطع عنّا المياه وتجبرنا على شرائها بصهاريج وقوارير من بلاستيك قدّروها تقديراً.

يبدو أنّ الوزير جبران باسيل كان في صغره يعاني من رهاب الـPhotophobia، وهو الخوف من الضوء، ولهذا بقي لسنوات يعِدنا بكهرباء 24/24، لكن وعوده ذهبت مع نحو 40 مليار دولار هباءً منثوراً، بعدما حرقناها على شكل مستخلصات أحفورية في مولدات كهربائية خاصة على يد حفنة من عصابات مولدات الاشتراكات.

على ما يبدو، فإن هذه التراكمات أصابتنا نحن اللبنانيين إلى جانب ما أصابنا من اليأس، بنوع هجين من رهاب السعادة أو Cherophobia، فأمسى كل واحد منا يستهجن لحظات الفرح إن مرّت عليه، ويتلو المعوّذتين ويقول: “اللهم اعطنا خير هالضحكات”، لكننا في المقابل ما عدنا نخشى ولا نهاب أعراض رهاب الـAlgophobia، أي الخوف من الألم (ولا فارقة معنا).

أمّا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فمن المؤكد أنه يعاني من تشخيص الـ Numerophobia، وهو الخوف من الأرقام. ولهذا يبخل علينا وعلى الحكومة وطبعاً على شركات التدقيق الجنائي بالأرقام من أجل استكمال التدقيق بحسابات “مصرفه” المركزي.

بدورهم الوزراء وموظفو الإدارات الرسمية يرهبون الـCyberphobia، وهو الخوف من الأتمتة أو أجهزة الكمبيوتر بمعنى أدقّ، فيصرّون على الأعمال الورقية، التي تُدخل المواطن في غياهب البيروقراطية المقيتة وزحمة الأوراق والأختام… وكل ذلك من أجل زيادة منسوب عذاباتنا.

ردّ أمير عبداللهيان الصاع صاعين نتيجة إصابة هذه الأحزاب، على ما يبدو، برهاب آخر مزدوج، وهو الـ Iranophobia والـXanthophobia، أي الخوف من الإيرانيين واللون الأصفر الذي ربّما يرمز إلى علم الحزب

“سنّوفوبيا”…

إذا توسّعنا خارج الحدود قليلاً، صوب الدول المجاورة، نكتشف أن نظام بشار الأسد الذي بدأت بعض الدول العربية أخيراً بالانفتاح عليه، يعاني من الـ Sunniphobia أو ما يعني الخوف من السُّنّة، ولهذا ما زال يصول ويجول ويتهرّب من إعادة اللاجئين إلى بلادهم بعدما هجّرهم قصراً بشتى أنواع الأسلحة.

الغوص أبعد بقليل وصولاً إلى الجمهورية الإسلامية، وربطاً بزيارة وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان لبيروت قبل يومين، يُظهر أنّ الوزير المذكور مصاب بـ Christianophobia أو الخوف من المسيحيين، ولهذا لم يدعُ إلى سفارة بلاده نواب القوات اللبنانية والكتائب (الوطني الحرّ حزب قومي إيرانيّ حتى لو أنكر ذلك أخيراً). ربّما ردّ أمير عبد اللهيان برهابه على رهاب تلك الأحزاب المسيحية نفسها.

ردّ أمير عبداللهيان الصاع صاعين نتيجة إصابة هذه الأحزاب، على ما يبدو، برهاب آخر مزدوج، وهو الـ Iranophobia والـXanthophobia، أي الخوف من الإيرانيين واللون الأصفر الذي ربّما يرمز إلى علم الحزب! (دخلكم… وبلاها دعوة).

إقرأ أيضاً: بِركة سمير قصير: المَيّ فراق!

هذا في السياستين الداخلية والخارجية، وأمّا على المستوى الشخصي فاكتشفت أنّ أمّ زهير، التي تتهرّب من الطبخ وتقضي معظم أوقاتها خارج المنزل، فمصابة أيضاً برهابين، وهما بحسب الموسوعة طبعاً Mageiricophobia (الخوف من الطبخ) وNostophobia، أي رهاب العودة إلى المنزل، ولذلك تقضيها Delivery و”مشكحة” وتسكّع لدى الجارات (صبحية رايحة، صبحية جاي)، بينما أنا “صاغ سليم” لا أشكو من أيّ رهاب، خصوصاً ذاك الرهاب الغريب الذي يُسمّى Phallophobia.

لن أخبركم ماذا يعني… “غوغلوها”، أو بمعنى آخر: Google it والعياذ بالله… مدري ولله الحمد!

لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…