… وإن حكمت فاحكم بينهم بـ”القِسط”

مدة القراءة 3 د

كان جدّي، رحمه الله، يردّد على مسامعي دوماً المثل الشعبي البيروتيّ القائل: “أمران لا سلطان لك عليهما… اسمك ودينك”. كان جدّي المرحوم يقصد أنّ الاسم أهلك يختارونه لك، فلا يمكنك التحكّم به، بينما دينك فترِثه من بيئتك ومجتمعك… ولله في خلقه شؤون.
تذكّرت هذا المثل الشعبي قبل أيام، حينما وصلني على تطبيق “شو في ما في؟” (WhatsApp) رسالة نصّية هي عبارة عن صورة لقرار صادر عن جمعية المقاصد، ممهور بتوقيع رئيس جمعية المقاصد فيصل سنّو، يتحدّث عن إعفاء طالبات الحضانة من جزء من القِسط المدرسي (30%) بشرط أن تكون أسماؤهن: خديجة، فاطمة، عائشة، زينب.
ظننت للوهلة الأولى أنّ الصورة Fake، معدّلة بواسطة “الفوتوشوب”. فأحبّة رئيس الجمعية كُثُر، لكنّني تأكّدت أنّها صحيحة بعدما رأيتها منتشرة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتذكّرت أنّ الدكتور سنّو “جسمه لبّيس”… ولله الحمد.
لفتني في قرار الدكتور سنّو الإصرار والتصميم على العيش المشترك، إذ تعمّد خلط الأسماء المؤنّثة بحسب الترتيب المذكور أعلاه: سنّي، شيعي، سنّي، شيعي، رافضاً أن يجمع السُّنّة مع السُّنّة والشيعة مع الشيعة (مختلطة)!
لفتني أيضاً منسوب النسويّة لديه، إذ لم يُعفِ حمّودي أو علّوشي ولا عمّورة أو حسّونة أو يحكم بينهم بالقِسط، بل صَدَفَ عنهم وكأنّ طيفاً من الشيطان مسَّهُم.

لفتني في قرار الدكتور سنّو الإصرار والتصميم على العيش المشترك، إذ تعمّد خلط الأسماء المؤنّثة بحسب الترتيب المذكور أعلاه: سنّي، شيعي، سنّي، شيعي، رافضاً أن يجمع السُّنّة مع السُّنّة والشيعة مع الشيعة

لفتني أيضاً أنّ الإخوة المسيحيين لم يكن لهم “في الطيّب نصيب”. فالدكتور سنّو “يا بطُخّه… يا بِكْسُر مخّه”. لا “حلّ وسط” عنده. إمّا Overdose علمنة وانفتاح وحرّيات، أو “ردّة جاهليّة” نحو التديّن والتمسّك بحبل الله المتين دفاعاً عن الدين الحنيف وحبّ آل البيت!
هي “متلازمة استوكهولم” أو “رابطة الأُسَر” التي تصيب الفرد عندما يتعاطف وينسجم مع مَن يعتبر أنّه أساء إليه، ويفسّرها الطبّ النفسي بـ”اللاعقلانية” باعتبار أنّ “الضحيّة” (وهو سنّو في هذه الحالة) تفهّم بشكل خاطئ عدم الإساءة فرآه إحساناً ورحمة، أو إحدى الطرق للدفاع عن الذات.
في زمان غابر، قبل إبداعات فيصل سنّو، كان حسم الأقساط يقوم على معيار الاجتهاد ومعدّل العلامات والـDiscipline. أمّا اليوم فبات حظّ أهل طالبات المقاصد من الحسم يتوقّف على أسماء أمّهاتهنّ. فإذا كان اسم أمّك خديجة أو زينب وكنت مطيعاً ملتزماً الأعراف والتقاليد، وسميّت ابنتك على اسم والدتك تحصل على حسم 30%، وأمّا إذا خالفت هذا التقليد، ففي السماء رزقكم وما توعدون!

إقرأ أيضاً: المقاصد: مجلس الأمناء بقيادة سنّو “شو اسمك يا بنت؟!”

تذكّرت في هذه المناسبة نُكتة قديمة لكن مهضومة تتحدّث عن أستاذ دين دخل الصف على عجل ذات حصّة، وأشار إلى أوّل تلميذ وقع نظره عليه بين الطلاب، وسأله: “شو اسمك؟”، فردّ التلميذ: “محمّد”، فقال له الأستاذ: “إقرأ لي سورة محمّد”. ثمّ التفت إلى آخر وسأله: إنت شو اسمك؟”، فردّ المسكين: “لقمان”. فقال له أيضاً: “إقرأ لي سورة لقمان”. ثمّ نظر إلى تلميذ ثالث وكان اسمه يونس، وسورة يونس هي من بين أطول عشر سُوَر في التنزيل الحكيم، فسأله: “وإنت يا بنيّ… شو اسمك؟”. فنظر يونس “الحربوق” إلى الأستاذ وقال له بدهاء: “اسمي يونس… بس بدلعوني كوثر!”.

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@

مواضيع ذات صلة

الحروب ليست حلّاً…  

عالم الحروب اليوم أعمق وأخطر، وقد وصل إلى قلب أوروبا بهجمة روسيا على أوكرانيا عام 2022 التي استمرّت حتى اليوم. وكأنّما كانت إسرائيل تنتظر مسوِّغاً…

“الحزب” يتموضع مسبقاً شمال اللّيطاني؟

يتحضّر “الحزب” لـ”اليوم التالي” للحرب. لا يبدو أنّ بقيّة لبنان قد أعدّ عدّة واضحة لهذا اليوم. يصعب التعويل على ما يصدر عن حكومة تصريف الأعمال…

كيف استفاد نتنياهو من تعظيم قدرات الحزب للانقضاض؟

كلّما زار آموس هوكستين بيروت في الأشهر الماضية، كان المسؤولون اللبنانيون وبعض المتّصلين به من السياسيين يسرّبون بأنّها “الفرصة الأخيرة”. لكنّه ما يلبث أن يعود،…

نتنياهو هزم الجنرالات…

ما حكاية الخلاف الشديد بين بنيامين نتنياهو وجنرالات الجيش والأمن في إسرائيل؟ لماذا يبدو أبطال الحرب أقرب إلى التسويات السياسية مع الفلسطينيين، بل مع حلّ…