أنهيتُ الإفطار على عجل مساء يوم الأربعاء الفائت، وعدت إلى غرفة الجلوس لأشاهد عراضة القاضية غادة عون وجماهيرها البرتقاليّة، التي تداعت إلى منطقة عوكر لمساندتها. وهي العراضة التي عكّرت عليّ مشاهدة أحداث مسلسل “عشرين عشرين” للحاجّة نادين نجيم وقصي خولي زعيتر (يا عفو الله)، اللذيْن يعلِّمان المجرمين كيفيّة تهريب المخدرات بواسطة الخضراوات والفواكه (بسببكم أوقفت السعودية عبور الخضراوات اللبنانية… الله لا يسامحكم).
وكذلك فعلت أمّ زهير، التي أنهت بدورها الجلي ورفع السفرة وترتيب المطبخ، ثم جهّزت نفس أرجيلة نكهة (لأنّو العجمي ما عاد اشتريناه بسبب الأزمة)، وأعدّت القهوة، وأحضرتهما مع حبّتين كلّاج وقطايف عصافيري بالقشطة، وجلست إلى جانبي لتشاهد “فوازير غادة عون”.
وبعد دقائق من خروج القاضية من مبنى شركة مكتّف مع مرافقيها المحمّلين بالأكياس السوداء والملفّات وأجهزة الكمبيوتر، رنّ هاتفي الخلوي. قلت لأمّ زهير: “مينو هيدا المزعج يلي عم يتصل بهالوقت وبعد الإفطار مباشرة؟ ينتظروا علينا شوي لنهضّم!”.
أمسكت الهاتف، فشاهدت رقماً غريباً لا أعرفه. قلت لأمّ زهير مجدّداً: “إيه ينفلقوا… مش رح ردّ”. بيني وبين نفسي لم أجرؤ على الردّ، لأنّي خفت أن يكون المتّصل واحدة من صديقاتي من الزمن الغابر، فيكون اتّصالها سبباً للمتاعب مع أمّ زهير (كفّ يدها أطرش).
وضعت الهاتف جانباً، وقلت لنفسي: “الصباح رباح”.
أعادت القاضية غادة عون دولارات المودعين واعتبارا من اليوم ستبدأ المصارف بدفعها
في صباح اليوم التالي، استيقظت على رنّة الهاتف مجدّداً. الرقم نفسه يرنّ ويرنّ ويرنّ، فناديت أمّ زهير، لكنّها لم تكن في البيت، فاستدركت خطئي بالتنبّه إلى أنّها خرجت، كعادتها في رمضان، لشراء بعض الأغراض لزوم الإفطار، وأقفلت عليّ باب الحديد حتّى تمنعني من الخروج قبل عودتها.
حينئذٍ أجبت المتّصل، وإذ به صوت حريميّ نقيّ حنون يقول لي: “بونجور عمّو أبو زهير، بحب طمّنك أنو الدولارات بحسابك صاروا موجودين وصرت قادر تسحبهم بس لا تتأخر لأنو زحمة كتير”.
فقلت لها: “يسعدلي صباحك… شو هالخبرية الحلوة؟ وشو عدا مما بدا؟ كيف هيك عمّي؟”.
فقالت موظفة البنك صاحبة الصوت الرقيق: “الريّسة غادة عون حرّرت كل الدولارات من مبنى مكتّف، خلص… انتهت الأزمة”.
أجبتها: “ريتك تسلميلي… يلاّ جاي، بس لتجي خالتك أم زهير وتفتح الباب لأنها زاربتني بالبيت”.
عاتبتني موظفة المصرف: “ولو أبو زهير… اتّصل برامي”.
سألتها: “مين رامي عمّي؟”.
إقرأ أيضاً: البناية “سايبة” ورئيس اللجنة همّه صهره
أجابت الموظفة: “ولو؟ رامي… حدّاد الريسة غادة عون يلّي خلع أبواب شركة مكتّف كلها”.
بعد ذلك بهنيهات سمعت صوت ضجيج ودقّ، فظننت أنّ رامي وصل ليحرّرني من أمّ زهير كما حرّرت غادة عون دولاراتنا… فاستيقظت مرتبكاً، وأدركت أنّ أم زهير تدقّ الثومات بـ”الهاون” من أجل الملوخية بدون عصاعيص.
طار الحلم من عيوني وتبخّرت صاحبة الصوت الرقيق وطارت الدولارات… وبقيت غادة عون.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب