ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

مدة القراءة 5 د

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير في الانتقال إلى هذه المرحلة مرتبط حصراً بتسليم جثّة آخِر محتجَز إسرائيليّ لدى “حماس”. يجاهر الإسرائيليّون بوجود خلاف عميق بين ما يهدف إليه الرئيس الأميركيّ في خطّته وما يضمره رئيس الحكومة الإسرائيليّ من نيّات لإحباط هذه الخطّة.

 

موقف نتنياهو الرافض لفتح معبر رفح من أجل دخول الفلسطينيّين إلى غزّة، بالإضافة إلى مطالبته بنزع سلاح “حماس” قبل الموافقة على إعادة الإعمار، يعكسان التباعد بين مقاربته ومقاربة ترامب. تواجه غزّة حاليّاً أجندتين مختلفتَين، وتتأرجح بين أن يتحوّل الخطّ الأصفر إلى ما يشبه “جدار برلين”، أو أن تنقسم إلى “شرقيّة مزدهرة” و”غربيّة” تحكمها “حماس” وتقبع تحت الفقر والحصار والخراب.

ترامب مصمّم على تنفيذ المرحلة الثّانية

يراهن نتنياهو على تردّد عدد من الدول في إرسال جنودها إلى غزّة، وهو ما يؤخّر تشكيل القوّة المتعدّدة الجنسيّات التي كان البيت الأبيض يتوقّع تشكيلها قبل عيد الميلاد المقبل.

لكنّ رئيس الولايات المتّحدة، بحسب ما نقله عاموس هرئيل في مقالته في “هآرتس” بعنوان “ترامب معنيّ بالمرحلة “ب””، مصمّم على التقدّم إلى المرحلة الثانية من خطّته في قطاع غزّة، على الرغم من علامات الاستفهام الكثيرة على الأرض، ويعتزم فرض الانتقال إلى المرحلة التالية على الأطراف، وهي مرحلة قد تشمل انسحاباً إسرائيليّاً إضافيّاً داخل القطاع.

يتابع الكاتب: “يتحدّث البعض في إسرائيل عن “جدار برلين الجديد” الذي سيبقى في مكانه وقتاً طويلاً”. لكن لا يبدو، برأيه، أنّ الرئيس الأميركيّ “يرى الأمور بالعين ذاتها”. الأميركيّون، بحسب هرئيل، متفاجئون بالالتزام الذي أبدته “حماس” إذ نفّذت التعهّدات كافّة، ولا سيما في موضوع تسليم الجثامين. إنّ ساعة حقيقة الانتقال إلى المرحلة الثانية وتنفيذ الانسحاب من غزّة يقلقان نتنياهو، الذي يراهن على التعقيدات القائمة للبقاء على الخطّ الأصفر وتحويله إلى “جدار برلين”.

يبدو أنّ ترامب يستعدّ لإعلان تعيين جنرال أميركيّ لقيادة القوّة المتعدّدة الجنسيّات قبل وصول نتنياهو إلى واشنطن

رؤية ترامب للبدء في إعادة الإعمار في شرق غزّة وجعلها نموذجاً للفلسطينيّين الذين يريدون العيش خارج حكم “حماس”، لا ينظر إليها نتنياهو بعين الرضا، بل يسعى إلى انتزاع موافقة إدارة ترامب على استنساخ نموذج التعامل مع “الحزب” على الجبهة الشماليّة وفرضه للتعامل مع غزّة.

الكابوس الإسرائيليّ الأمنيّ والسّياسيّ 

تشير المعلومات إلى قرب اكتشاف موقع الجثّة الأخيرة الباقية لدى حركة حماس، الأمر الذي يفتح الباب أمام بداية المرحلة الثانية من خلال الانسحاب إلى الخطّ الأحمر بحسب خطّة ترامب. يبدو أنّ ترامب يستعدّ لإعلان تعيين جنرال أميركيّ لقيادة القوّة المتعدّدة الجنسيّات قبل وصول نتنياهو إلى واشنطن للضغط عليه وتأكيد تصميمه على الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تتضمّن:

ترامب

– فتح معبر رفح بالكامل في الاتّجاهين.

– الانتقال من وضع السيطرة العسكريّة – الإسرائيليّة إلى هيئة مدنيّة – دوليّة.

– إنشاء قوّة استقرار متعدّدة الجنسيّات.

– تأليف حكومة تكنوقراط فلسطينيّة.

– البدء بإعادة إعمار تدريجيّة للقطاع.

في ضوء العِقد التي أخذت تظهر، ومنها تمسّك “حماس” بسلاحها ورفض الإسرائيليّين فتح معبر رفح باتّجاه عودة الفلسطينيّين، يصطفّ بعض الإسرائيليّين وراء نتنياهو لإفشال الانتقال إلى هذه المرحلة بطريقة ذكيّة لا تجعل إسرائيل متّهمة بذلك.

في هذا السياق، كتبت آنا بريسكي في “معاريف” في مقالتها بعنوان “الحلّ الإسرائيليّ للضغط على ترامب أن ندع خطّته في غزّة تفشل”: “من المنظور الإسرائيليّ، المرحلة الثانية عبارة عن كابوس مزدوج:

– على المستوى الأمنيّ، تُظهر التجربة السابقة أنّه في كلّ مرّة دخلنا ترتيبات تقوم على “أوّلاً نعطي، ثمّ نفكّك”، كان الطرف المقابل هو الذي ينمو ويقوى.

– على المستوى السياسيّ، قد تبدو أيّ خطوة كأنّها موافقة على بقاء “حماس” وإعادة الإعمار، ربّما تؤدّي إلى تفجير المعسكر اليمينيّ من الداخل، حتّى قبل أن يتمكّن أفراد المعارضة من التغريد”.

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي

تتابع الكاتبة: “لذلك يجري في هذه الأيّام بناء “خطّة انتظار” إسرائيليّة: عدم حرق الجسور مع واشنطن وعدم الرفض المباشر لخطّة ترامب، لكن أيضاً عدم الاندفاع إلى الأمام وتصدُّر مقدَّم الركب، والسماح للمبادرة الأميركيّة بالانطلاق وعدم الظهور كمن يُفشلها، والمراهنة على أنّ الواقع في المنطقة سيفعل ما يفعله”.

تخلص بريسكي إلى القول: “تعمل المؤسّستان السياسيّة والأمنيّة انطلاقاً من فرضيّة عمل مفادها الآتي: من الصعب العثور على دول توافق على إرسال جنود لقوّة حفظ استقرار تفصل بين “حماس” والجيش الإسرائيليّ… وإذا لم ينشأ هذا الإطار المتعدّد الجنسيّات بالحجم المطلوب، وإذا تعثّر الإعمار في وقت مبكر، فستتمكّن إسرائيل في مرحلة متأخّرة من أن تقول لترامب: لقد حاولت، وهذا لا ينجح. الآن، دعنا نتحدّث عن بديل ملائم ممّا يحدث فعلاً على الأرض”.

إقرأ أيضاً: ترامب يُخضع نتنياهو ويخترق جدار “الحركة”

غزّة عالقة في المناورات

في النهاية، تبدو غزّة الآن عالقة بين مناورات نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرّف، وبين ترامب الذي يجد في إنهاء الحرب الإنجاز الوحيد الذي يستطيع أن يتفاخر به بعد إخفاقه على الجبهتين الروسيّة – الأوكرانيّة، والسوريّة – الإسرائيليّة… بانتظار زيارة نتنياهو للبيت الأبيض كي يظهر “الخيط الأبيض من الخيط الأسود”.

 

* أستاذ العلوم السّياسيّة في الجامعة اللّبنانيّة.

لمتابعة الكاتب على X:

@WalidSafi16

مواضيع ذات صلة

هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على: – أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…

اللّبنانيّون يرفضون الانتحار… مع “الحزب”!

سؤال واحد يَختزل الموضوع اللبنانيّ كلّه، أي موضوع التخلّص من الاحتلال الإسرائيليّ المتجدّد لأراضٍ في الجنوب. خروج الاحتلال أولويّة الأولويّات: هل من سبيل إلى ذلك…