كان للمطرب الراحل عبد الحليم حافظ، هواية غريبة يمارسها كلما شعر بضغط العمل. كان يركب سيارة قديمة هي أول سيارة اقتناها، ويلفّ بها شوارع القاهرة ليرفّه عن نفسه ويخرج من الـ”موود” السيء.
ذات يوم، كان العندليب يجوب شوارع القاهرة مختالاً فرحاً، حينما أوقفه شرطي اسمه حنفي عند تقاطع “ميدان رمسيس” وطلب منه “أوراق العربية”، فأصيب حليم بالصدمة لأن الشرطي لم يعرفه. لكن حينما تجمهرت الناس حول السيارة، أدرك الشرطي هول الخطأ الذي اقترفه، وراح يعتذر من العندليب الأسمر، علّه يصفح عنه فسامحه الأخير فوراً.
ومذّاك، صار العندليب يلقي التحية على حنفي كلما ركب سيارته وجال فيها شوارع القاهرة، كما كان أحياناً يقصده ليشرب معه الشاي في أوقات استراحته… إلى أن نمت بينهما علاقة صداقة لطيفة ومميّزة.
إقرأ أيضاً: حسان دياب والـ”مرطبان رقم 14″
خلال واحدة من الزيارات، دعا حنفي العندليب إلى عرس ابنته، ليظهر إلى “أهل الحته” قربه منه. وافق الأخير برحابة صدره المعهودة، وقال لصديقه: “ده عرس بنت أخويا يا حنفي… أنا حاجي ضروري”. ظنّ حنفي أنّ حليم يجامله في الكلام ولن يأتي، لكن حليم فاجأه في منتصف العرس، محضراً معه طقماً ماسيّاً هدية للعروسة.
عام 1977 لما سافر العندليب إلى بريطانيا في رحلة العلاج الأخيرة وتوفى هناك، أصيب حنفي بالاكتئاب واختلى بنفسه لأيام طويلة حيث ترك وظيفته في الشرطة، وانتبذ من أهله في كوخٍ من القشّ قرب قبر عبد الحليم، يقرأ له ما تيسّر من الذكر الحكيم.
في هذه الأثناء، كان الشاعر نزار قباني الصديق المقرّب من عبد الحليم يتنقّل بين بيروت والقاهرة في زيارات عمل متقطعة، لكنّه لم ينسَ يوماً صديقه وكان يزور قبره كلما قصد مصر أمّ الدنيا، ليقرأ له فاتحة الكتاب. وفي إحدى المرات لفت انتباهه كوخ هذا الرجل قرب القبر، وسأل عنه فأخبروه قصته. بكى نزار متأثراً بحجم إخلاص هذا الرجل، وتذكّر اسمه جيداً لأنّ حليم حمّله رسالة لهذا الرجل. دخل قباني الكوخ وعرّفه عن نفسه، وأخبره أنّه كان يبحث عنه منذ مدة طويلة لأنّ المغفور له حليم كتب له في آخر ساعات حياته في المستشفى الإنكليزي، وأوصاه بأن يوصل المظروف المختوم إلى صديقه حنفي.
سحب نزار المظروف من جيبه وأعطاه لحنفي الذي فتحه بلهفة وبدأ بالقراءة، ثم انهار أرضاً ودخل بنوبة بكاء ونحيب عجيبين، فالتقط نزار الرسالة ليعرف ما فيها وما الذي دفع حنفي إلى البكاء بهذا الشكل الهستيري؟ وهنا كانت الصدمة، حيث كتب العندليب الأسمر إلى صديقه: “يا حنفي… قل لحسان دياب إن طريقك إلى صندوق النقد الدولي… مسدودٌ… مسدودٌ… مسدودٌ يا ولدي”.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب